رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فكرر ذكر الرب، ولم يكرره في سورة المعارج، بل أفرده فقال تعالى فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج: ٤٠] وكذا في سورة المزمّل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩) ؟
قلنا: إنما ذكر الرب تأكيدا، فكان التأكيد بهذا الموضع أليق منه بذينك الموضعين، لأنه موضع الامتنان وتعديد النعم، ولأنّ الخطاب فيه مع جنسين وهما الإنس والجن.
فإن قيل: بعض الجمل المذكورة في هذه السورة، ليست من النعم، كقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وقوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فكيف حسن الامتنان بعدها بقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) ؟
قلنا: من جملة الآلاء دفع البلاء وتأخير العقاب، فإبقاء من هو مخلوق للفناء نعمة. وتأخير العقاب عن العصاة أيضا نعمة، فلهذا امتنّ علينا بذلك.
فإن قيل: لم قال تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) والله تعالى لا يشغله شيء؟
قلنا: قال الزجّاج: الفراغ في اللغة على ضربين أحدهما الفراغ من شغل، والاخر القصد للشيء والإقبال عليه، وهو تهديد ووعيد، ومنه قولهم:
سأتفرّغ لفلان: أي سأجعله قصدي، فمعنى الآية سنقصد لعقابكم، وعذابكم، وحسابكم.
فإن قيل: لم وعد سبحانه الخائف جنّتين فقط؟
قلنا: لأن الخطاب للثّقلين، فكأنّه قيل لكلّ خائفين من الثقلين جنتان، جنة للخائف الإنسي، وجنة للخائف الجنّي. وقيل المراد به أن لكل خائف جنتين، جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي. وقيل جنة يثاب بها، وجنة يتفضّل بها عليه زيادة، لقوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: ٢٦] أي الجنة وزيادة.
فإن قيل: لم قال تعالى: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ [الآية ٥٦] ولم يقل سبحانه فيهما، والضمير للجنتين؟
قلنا: الضمير لمجموع الآلاء المعدودة: من الجنتين، والعينين، والفاكهة، وغيرها، مما سبق ذكره.
وقيل: هو للجنتين، وإنّما جمع لاشتمال الجنتين على قصور ومنازل.