للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) استعارة. والمراد: أنه سبحانه أرسل البحرين طاميين، وأمارهما مائعين، وهما يلتقيان بالمقاربة، لا بالممازجة، فبينهما حاجز يمنعهما من الانحراف، ويصدّهما عن الاختلاط.

ومعنى قوله تعالى: لا يَبْغِيانِ (٢٠) أي لا يغلب أحدهما على الاخر، فيقلبه إلى صفته، لا الملح على العذب، ولا العذب على الملح. وكنى تعالى بلفظ البغي، عن غلبة أحدهما على صاحبه. لأن الباغي، في الشاهد، اسم لمن تغلّب من طريق الظلم بالقوة والبسطة، والتطاول والسطوة.

وقد مضى الكلام على مثل هذه الاستعارة في ما تقدّم. إلّا أن فيها هاهنا زيادة، أوجبت إعادة ذكرها.

وفي قوله سبحانه: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) استعارة. وقد تقدّم الكلام على نظيرها. والمراد:

وتبقى ذات ربّك وحقيقته. ولو كان محمولا على ظاهره، لكان فاسدا مستحيلا، على قولنا وقول المخالفين.

لأنه لا أحد يقول من المشبّهة والمجسّمة، الذين يثبتون لله سبحانه أبعاضا مؤلّفة، وأعضاء مصرّفة، إنّ وجه الله سبحانه يبقى، وسائره يبطل ويفنى. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

ومن الدليل على أن المراد بوجه الله هاهنا، ذات الله، قوله سبحانه: ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) ألا ترى أنه سبحانه، لمّا قال في خاتمة هذه السورة: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ قال: ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨) ولم يقل (ذو) لأن اسم الله غير الله، ووجه الله هو الله، وهذا واضح البيان، وقد مضى الكلام على هذا المعنى فيما تقدم.

وفي قوله سبحانه: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) استعارة. وقد كان والدي الطاهر الأوحد، ذو المناقب، أبو أحمد الحسين «١» ، ابن موسى


(١) . كان نقيب الأشراف في بغداد، وهو والد الشريفين: الرضي، والمرتضى، وقد تعرّض للقبض عليه من قبل عضد الدولة بن بويه سنة ٣٦٩ هـ ثم أطلقه ابنه شرف الدولة ابن بويه، وعزل عن النقابة سنة ٣٨٤ هـ ثم أعيد إليها سنة ٣٩٤ هـ وأضيف إليه الحج والمظالم، فلم يزل على ذلك، الى أن توفي ضريرا سنة ٤٠٠ هـ، فرثاه ولداه كما رثاه أبو العلاء المعري، ومهيار الديلمي، وجماعة من الشعراء.