ذلك قوله تعالى في المدّثّر: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) فالمستعار منه هاهنا ما يجوز فيه المنع، وهو أفعال العباد، والمستعار له مالا يجوز فيه المنع، وهو أفعال القديم سبحانه كما قلنا أولا والمعنى الجامع لهما: التخويف والتهديد.
والتهديد بقول القائل:«ذرني وفلانا» ، إذا أراد المبالغة في وعيده، أقوى من قوله: خوّف فلانا من عقوبتي، وحذّره من سطوتي. وهذا بيّن بحمد الله تعالى.
وقد يجوز أن يكون لذلك وجه آخر، وهو أن يكون معنى قوله تعالى:
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أي سنفرّغ لكم ملائكتنا الموكّلين بالعذاب، والمعدين لعقاب أهل النار. ونظير ذلك قوله تعالى:
وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)[الفجر] أي جاء ملائكة ربّك. ويكون تقدير الكلام: وجاء ملائكة ربّك وهم صفّا صفّا. كما تقول: أقبل القوم وهم زحفا زحفا. والملك هاهنا لفظ الجنس، وإنما أعيد ذكر الملك ليدل على المحذوف الذي هو اسم الملائكة، لأنه ما كان يسوّغ أن يقول:
وجاء ربك وهم صفّا صفّا، ويريد الملائكة على التقدير الذي قدّرناه، لأنّ الكلام كان يكون ملبسا، والنظام مختلا مضطربا.