استعارة. والمراد بالكتابة هاهنا الحكم والقضاء. وإنّما كنى تعالى عن ذلك بالكتابة، مبالغة في وصف ذلك الحكم بالثبات، وأنّ بقاءه كبقاء المكتوبات.
وفي قوله سبحانه: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [الآية ٢٢] استعارتان، إحداهما قوله تعالى: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ، ومعناه أنه ثبّته في قلوبهم، وقرّره في ضمائرهم، فصار كالكتابة الباقية، والرّقوم الثابتة، على ما أشرنا إليه من الكلام على الاستعارة المتقدّمة. وذلك كقول القائل: هو أبقى من النقش في الحجر، ومن النقش في الزّبر.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى:
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ولذلك وجهان: إمّا أن يكون المراد بالروح هاهنا القرآن، لأنه حياة في الأديان، كما أنّ الروح حياة في الأبدان. وقال سبحانه: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] والمراد القرآن.
والوجه الاخر أن يكون الروح هاهنا معنى النّصر والغلبة والإظهار للدّولة.
وقد يعبّر عن ذلك بالريح. والرّوح والريح يرجعان إلى معنى واحد. وقال سبحانه: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: ٤٦] أي دولتكم واستظهاركم.