القلم، وربما كان الشخص المعني هنا وهناك واحدا، وقد قيل إنّه الوليد بن المغيرة [الآيات ١٨- ٣٠] .
ثمّ تتحدّث السورة عن عالم الغيب، ووصف سقر، والملائكة القائمين عليها، وعددهم وامتحان الله لعباده بذلك العدد، وذلك في آية واحدة طويلة هي الآية ٣١.
ثمّ تتحدث عن مشاهد الكون، وأدلّتها على وجود الله [الآيات ٣٢- ٣٧] .
كما تعرض مقام المجرمين، ومقام أصحاب اليمين، حيث يعترف المكذّبون اعترافا طويلا، بأسباب استحقاقهم للارتهان، والقيد في يوم الجزاء والحساب، يعقب عليه بكلمة الفصل في أمرهم، الذي لا تنفعهم فيه شفاعة شافع [الآيات ٣٨- ٤٨] .
وفي ظلّ هذا المشهد المخزي، والاعتراف المهين، يفضي السّياق إلى استنكارا موقف المكذبين من الدعوة إلى التذكرة والنجاة من هذا المصير، ويرسم لهم مشهدا ساخرا، يثير الضحك والزراية، من نفارهم الحيواني الشّموس [الآيات ٤٩- ٥١] .
ويكشف السّياق عن حقيقة الغرور، الذي يساورهم فيمنعهم من الاستجابة لصوت المذكّر الناصح، ويبيّن أنّه الحسد للنبي (ص) ، والرغبة في أن يؤتى كل منهم الرسالة، والسبب الاخر هو قلّة التقوى [الآيتان ٥٢- ٥٣] .
وفي الختام يجيء التقرير الجازم الذي لا مجاملة فيه، وردّ الأمر كلّه إلى مشيئة الله سبحانه وقدره [الآيات ٥٤- ٥٦] .
وهكذا تمثّل السورة حلقة من حلقات الكفاح النفسي، الذي واجه به القرآن الجاهلية وتصوّراتها، في قلوب قريش، كما كافح العناد والكيد، والإعراض الناشئ عن العمد والقصد، بشتّى الأساليب. والمشابهات كثيرة بين اتجاهات هذه السورة، واتجاهات سورة المزّمّل، وسورة القلم، ممّا يدل على أنها جميعا نزلت متقاربة، لمواجهة حالات متشابهة.
وسورة المدّثّر قصيرة الآيات، سريعة الجريان، منوّعة الفواصل والقوافي، يتّئد إيقاعها أحيانا، ويجري لاهثا أحيانا، وبخاصّة عند تصوير مشهد هذا المكذّب، وهو يفكّر ويقدّر ويعبس