وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) [الحجر] .
قلنا: المراد به في الاخرة سقيهم بغير واسطة، وشتان ما بين الشرابين والآنيتين أيضا والمنزلتين.
فإن قيل: في قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) الضمير لمشركي مكة بلا خلاف، فما معنى تقسيمهم إلى الإثم والكفور، وكلّهم آثم وكلّهم كفور؟
قلنا: المراد بالإثم عتبة بن ربيعة، فإنه كان ركّابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق والمراد بالكفور الوليد بن المغيرة، فإنه كان مغاليا في الكفر، شديد الشكيمة فيه مع أن كليهما آثم وكافر، والمراد به نهيه عن طاعتهم فيما كانوا يدعونه إليه من ترك الدعوة، وموافقتهم فيما كانوا عليه من الكفر والضلال.
فإن قيل: ما معنى النهي عن طاعة أحدهما، ولماذا لم ينه عن طاعتهما؟
قلنا: قال بعضهم: إن «أو» هنا بمعنى الواو، كما في قوله تعالى: أَوِ الْحَوايا [الأنعام: ١٤٦] . الثاني: أنه لو قال تعالى: ولا تطعهما، جاز له أن يطيع أحدهما، وأما إذا قيل له ولا تطع أحدهما كان منهيّا عن طاعتهما بالضرورة.
فإن قيل: لم قال تعالى: نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) . والابتلاء متأخّر عن جعله سميعا بصيرا؟
قلنا: قال الفرّاء: فيه تقديم وتأخير تقديره فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه.
وقال غيره: معناه ناقلين له من حال إلى حال: نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة، فسمى ذلك ابتلاء من باب الاستعارة.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ والقوارير اسم لما يتخذ من الزجاج؟
قلنا: معناه أن تلك الأكواب مخلوقة من فضة، وهي مع بياض الفضّة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو ضربت فضّة الدنيا حتى جعلتها جناح الذباب، لم ير الماء من ورائها.
وقوارير الجنّة من فضّة ويرى ما فيها من ورائها.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى:
كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) ؟
قلنا: معناه تكوّنت، فهي من قوله