للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندرك توّا أنّه عملية عجيبة، إذ نهضم تقريبا كل شيء يؤكل ما عدا المعدة نفسها» «١» .

وكلّ جهاز من أجهزة الإنسان الأخرى يقال فيه الشيء الكثير، فالإدراك العقلي، واختزان المعلومات، والإدراك الروحي لجلال الله، كلّها تدلّ على سعة عطاء الله وحكمته، وكرمه وفضله على الإنسان.

[الآيات ٩- ١٢] : كلّا: ارتدعوا عن الاغترار بكرم ربّكم لكم. بل تكذّبون بالحساب والمؤاخذة والجزاء، وهذه هي علّة الغرور وعلّة التقصير، وإنّه لموكل بكم ملائكة يحفظونكم، ويسجّلون أقوالكم وأعمالكم، ويحصونها عليكم، وهؤلاء الملائكة كرام فلا تؤذوهم بما ينفّرهم من المعاصي وإنّ الإنسان ليحتشم ويستحي وهو بمحضر الكرام، من أن يسفّ أو يتبذّل، في لفظ، أو كلمة، أو حركة، أو تصرّف فكيف به حينما يشعر أنه في كلّ لحظاته، في حضرة حفظة من الملائكة كرام لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال أو الفعال؟. وهؤلاء الملائكة يكتبون كلّ شيء، ولا تخفى عليهم خافية من أعمالكم، فإنهم يعلمون ما تفعلون سرّا أو علنا والملائكة قوى من قوى الخير منهم الحفظة والكتبة، ومنهم من ينزل بالوحي على الرسل وقد أمدهم الله سبحانه بقوّة خاصة، يستطيعون بها إنجاز ما يوكل إليهم من مهام. وليس علينا أن نبحث عن كنه هؤلاء الحفظة، ولا عن كيفيّة كتابتهم لأعمالنا، ويكفي أن يشعر القلب البشريّ أنّه غير متروك سدى، وأنّ عليه حفظة كِراماً كاتِبِينَ (١١) يعلمون ما يفعله، ليرتعش ويستيقظ ويتأدّب.

وهذا هو المقصود.

[الآية ١٣] : إنّ الأبرار صدقوا في إيمانهم بأداء ما فرض عليهم، واجتناب ما نهوا عنه، سيكونون ممتّعين في نعيم الجنة.

وليس البرّ مقصورا على الصلاة والصيام، ولكن البرّ عقيدة صادقة، وسلوك مستقيم، ويتمثل ذلك في القيام بالواجب، ومعاونة المحتاج، والاهتمام بأمر المسلمين، والحرص على نفع


(١) . في ظلال القرآن: نقلا عن كتاب: «الله والعلم الحديث» مع التلخيص والتصرّف.