أعماله، ويتناول كتابه بيمينه، فإنه يحاسب أيسر الحساب، إذ تعرض عليه أعماله فيعرف بطاعته وبمعاصيه، ثم يثاب على ما كان منها طاعة، ويتجاوز له عما كان منها معصية.
عن عائشة (رض) قالت: «سمعت رسول الله (ص) يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حسابا يسيرا» فلمّا انصرف قلت: يا رسول الله، وما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه، من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك» » .
فهذا هو الحساب اليسير الذي يلقاه من يؤتى كتابه بيمينه، ثم ينجو وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وأهله هم الناجون الذين سبقوه الى الجنة.
٢- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) ، والذي ألفناه في تعبيرات القرآن من قبل هو كتاب اليمين، وكتاب الشمال، فهذه صورة جديدة:
صورة إعطاء الكتاب من وراء الظهر، وليس يمتنع أن يكون الذي يعطى كتابه بشماله، يعطاه كذلك من وراء ظهره، فهي هيئة الكاره المكره، الخزيان من المواجهة. والذي نخلص اليه، أنّ إيتاء الكتاب باليمين، أو باليسار أو من وراء الظهر، تصوير لحال المطّلع على أعماله في ذلك اليوم، فمن الناس من إذا كشف له عمله ابتهج واستبشر، وتناول كتابه بيمينه ومنهم من إذا انكشفت له سوابق أعماله عبس وبسر، وأعرض عنها وأدبر، وتمنّى لو لم تكشف له، وتناولها باليسار أو من وراء الظهر، وحينئذ يدعو ووا ثبوراه، أي يا هلاك أقبل، فإنّي لا أريد أن أبقى حيّا.
ولا يفعل الإنسان ذلك، إلّا إذا كان في شدّة التعاسة والشقاء، كما يقول المتنبي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
وتناول الكافر لكتابه بشماله أو من وراء ظهره علامة على سخط الله عليه، وهو يدعو على نفسه بالهلاك والويل، ويدخل نار جهنم التي سعّرت وأوقدت، ليحترق بنارها لأنه كان في الدنيا بين عشيرته من الكافرين، لاهيا في شهواته، منقادا لأهوائه، لا يخطر الموت على باله، ولا البعث،
(١) . رواه الإمام أحمد بإسناده عن عبد الله بن الزبير عن عائشة، وهو صحيح على شرط مسلم، لم يخرجه.