للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ

[الآية ١٥٠] ؟.

قلنا: معناه إلّا أن يقولوا ظلما وباطلا، كقول الرجل لصاحبه: مالك عندي حق، إلّا أن تظلم أو تقول الباطل وقيل معناه: والذين ظلموا منهم، ف «إلّا» هنا بمعنى واو العطف، كما في قوله تعالى: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ [النمل] وقيل:

«إلّا» فيهما بمعنى لكن. وحجّتهم أنّهم كانوا يقولون، لمّا توجه النبي (ص) إلى بيت المقدس: ما درى محمّد أين قبلته حتّى هديناه، وكانوا يقولون أيضا: يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا، فلما حوّله الله تعالى إلى الكعبة انقطعت هذه الحجّة فعادوا يقولون:

لم تركت قبلة بيت المقدس؟ إن كانت باطلة فقد صلّيت إليها زمانا، وإن كانت حقّا فقد انتقلت عنها فهذا هو المراد به بقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقيل: المراد به قولهم:

ما ترك محمّد قبلتنا إلّا ميلا لدين قومه وحبّا لوطنه، وقيل: المراد به قول المشركين: قد عاد محمّد إلى قبلتنا لعلمه أنّ ديننا حق، وسوف يعود إلى ديننا، وإنما سمّى الله باطلهم حجة لمشابهته الحجة في الصورة، كما قال الله تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ [الشورى:

١٦] أي باطلة، وقال سبحانه: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر: ٨٣] .

فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: وَلا تَكْفُرُونِ بعد قوله سبحانه: وَاشْكُرُوا لِي [الآية ١٥٢] والشكر نقيض الكفر، فمتى وجد الشكر انتفى الكفر؟

قلنا: قوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِي معناه استعينوا بنعمتي على طاعتي، وقوله سبحانه وَلا تَكْفُرُونِ معناه لا تستعينوا بنعمتي على معصيتي. وقيل:

الأوّل أمر بالشكر. والثاني أمر بالثبات عليه.

فإن قيل: لم قال تعالى: وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) [آل عمران] وأهل دينه لا يلعنونه إذا مات على دينهم؟.

قلنا: المراد بالناس المؤمنون فقط، أو هو على عمومه وأهل دينه يلعنونه في الاخرة، قال الله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [العنكبوت: ٢٥] وقال سبحانه: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف: ٣٨] .