غرورا أنّ الله راض عنه، وتخيّل أنه لن يحاسبه على ظلمه وأفعاله.
وإذا امتحنه بالفقر فضيّق عليه رزقه وقتره، فلم يوسع عليه، فيقول إنّ ربي أذلّني بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهبه له، من سلامة الجوارح، وما رزقه من الصّحة والعافية.
قال الإمام محمد عبده: «وأنت ترى أنّ أحوال الناس إلى اليوم لا تزال كما ذكر الله في هذه الآية الكريمة، فإنّ أرباب السلطة والقوة يظنون أنهم في أمن من عقاب الله، ولا يعرفون شيئا من شرعه يمنعهم عن عمل ممّا تسوق إليه شهواتهم، وإنّما يذكرون الله بألسنتهم، ولا تتأثّر قلوبهم بهذا الذكر.
«تعلم أن المخاطبين بهذه الآيات كانوا يزعمون أنهم على شيء من دين إبراهيم (ع) ، أو أنهم كانوا يدّعون أنّ لهم دينا يأمرهم وينهاهم، ويقرّبهم إلى الله زلفى، فإذا سمعوا هذا التهديد وذلك الوعيد، وسوست لهم نفوسهم بأن هذا الكلام إنّما ينطبق على أناس ممّن سواهم أمّا هم، فلم يزالوا من الشاكرين الذاكرين غير الغافلين» ، فالله جلّ جلاله يردّ عليهم زعمهم ويقيم لهم دليلا واضحا على كذب ما تحدّثهم به أنفسهم، ويقول:
[الآية ١٧] : كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) أي لو كان غنيّكم لم يعمه الطّغيان، وفقيركم لم يطمس بصيرته الهوان، لشاطرتم اليتيم إحساسه، فواسيتموه وعطفتم عليه، حتّى ينشأ كريم النفس.
[الآية ١٨] : وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وقد كان مجتمع مكّة مجتمع التكالب على جمع المال بكافّة الطرق، فورثت القلوب القسوة والبخل، وانصرفت عن رحمة اليتيم، وعن التعاون على رحمة المسكين.
[الآية ١٩] : وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) والتراث هو الميراث الذي يتركه من يتوفّى، أي إنّكم تشتدّون في أكل الميراث حتّى تحرموا صاحب الحقّ حقّه.
[الآية ٢٠] : وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) وتميلون إلى جمع المال ميلا شديدا، يصل الى حدّ الشراهة.