للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: الإخراج يستعمل بمعنى المنع عن الدخول، يقال لمن امتنع عن الدخول في أمر خرج منه وأخرج نفسه منه، وإن لم يكن دخله فعصمة الله تعالى المؤمنين عن الدخول في ظلمات الضلال، إخراج لهم منها وتزيين قرناء الكفّار لهم الباطل الذي يصدّونهم به عن الحقّ، إخراج لهم من نور الهدى ولأنّ إيمان رؤساء أهل الكتاب بالنبي عليه الصّلاة والسلام قبل أن يظهر كان نورا لهم، وكفرهم به بعد ظهوره خروج منه إلى ظلمات الكفر، ولأنّه لمّا ظهرت معجزاته عليه الصّلاة والسلام، وكان موافقه ومتّبعه خارجا من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومخالفه خارجا من نور العلم إلى ظلمات الجهل.

فإن قيل: لم انتقل إبراهيم (ع) إلى حجّة أخرى، وعدل عن نصرة الأولى، مع أنّه لم ينقطع بما عارضه به نمرود، من قتل أحد المجوسيين وإطلاق الاخر، فإن إبراهيم (ع) ما أراد هذا الإحياء والإماتة؟

قلنا: إمّا لأنّه رأى خصمه قاصر الفهم عن إدراك معنى الإحياء والاماتة التي أضافهما إبراهيم (ع) إلى الله تعالى، حيث عارض معارضة لطيفة، وعمي عن اختلاف المعنيين أو لأنّه علم أنّه فهم الحجة لكنه قصد التمويه والتلبيس على أتباعه وأشياعه فعدل إبراهيم (ع) إلى أمر ظاهر يفهمه كل أحد، ولا يقع فيه تمويه ولا تلبيس.

فإن قيل: لم طبع الله على قلبه فلم يعارض بالعكس في طلوع الشمس؟

قلنا: لأنّه لو عارض به لم يأت الله بها من المغرب، لأنّ ذلك أمارة قيام الساعة، فلا يوجد إلّا قريبا من قيامها، ولأنّه وأتباعه كانوا عالمين أن طلوعها من المشرق سابق على وجوده، فلو ادّعاه لكذّبوه.

فإن قيل: لم قال عزير عليه السلام- كما ورد في التنزيل- منكرا مستبعدا أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها [الآية ٢٥٩] وهو نبيّ، والنبي لا تخفى عليه قدرة الله تعالى، على إحياء قرية خربة، وإعادة أهلها إليها؟

قلنا: لم يقله منكرا مستبعدا لعظيم قدرة الله تعالى، بل متعجبا من عظيم قدرته تعالى، أو طلبا لرؤية كيفية الإعادة، لأنّ كلمة «أنّى» بمعنى كيف أيضا. وقد نقل مجاهد أنّ المارّ على القرية القائل ذلك، كان رجلا كافرا