الشجر، وأكثرها منافع، خصّهما سبحانه بالذّكر وجعل الجنّة منهما، وإن كان فيها غير هما تغليبا لهما وتفضيلا.
فإن قيل: قوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [الآية ٢٧٣] يدلّ بمفهومه على أنّهم كانوا يسألون الناس برفق، فلم قال سبحانه: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [الآية ٢٧٣] .
قلنا: المراد به نفي السؤال والإلحاف جميعا، كقوله تعالى: لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ [الآية ٧١] ، أو كقول الأعشى:
لا يغمز الساق من أين ولا وصب معناه ليس بساقه أين، ولا وصب، فغمزها.
فإن قيل: لم قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا [الآية ٢٧٥] ، ألحق الوعيد بأكله مع أنّ لابسه، ومدّخره، وواهبه، أيضا، في الإثم سواء؟
قلنا: لمّا كان أكثر الانتفاع والهمّ بالمال، إنّما هو الأكل، لأنه مقصود لا غناء عنه ولا بدّ منه، عبّر عن أنواع الانتفاع بالأكل كما يقال: أكل فلان ماله كلّه، إذا أخرجه في مصالح الأكل وغيره؟
فإن قيل: لم خص الأكل بذكر الوعيد، دون المطعم، وكلاهما آثم؟
قلنا: لأنّ انتفاعه الدنيويّ بالرّبا، أكثر من انتفاع المطعم.
فإن قيل: لم قال تعالى: قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [الآية ٢٧٥] والكلام إذ ذاك في الربا، ومقصودهم تشبيهه بالبيع فقياسه إنّما الربا مثل البيع في حلّه؟
قلنا: جاءوا بالتمثيل على طريق المبالغة، وذلك أنّه بلغ من اعتقادهم استحلال الربا، أنّهم جعلوه أصلا في الحلّ والبيع، وفرعا كقولهم: القمر كوجه زيد، والبحر ككفّه، إذا أرادوا المبالغة.
فإن قيل: كيف قلتم إنّ أهل الكبائر لا يخلدون في النار، وقد قال الله تعالى في حق آكل الربا: وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) ؟.
قلنا: الخلود يستعمل بمعنى طول البقاء وإن لم يكن بصفة التأبيد، يقال:
خلّد الأمير فلانا في الحبس، إذا طال حبسه، أو أنّ قوله تعالى: فَأُولئِكَ إشارة إلى من عاد إلى استحلال الربا،