للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمراد بها على أحد التأويلات: حتّى يتبيّن بياض الصبح من سواد الليل.

والخيطان هاهنا مجاز. وإنّما شبّها بذلك لأنّ خيط الصبح يكون في أوّل طلوعه مستدقّا خافيا، ويكون سواد الليل منقضيا مولّيا، فهما جميعا ضعيفان، إلّا أنّ هذا يزداد انتشارا، وهذا يزداد استتارا.

وقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ [الآية ١٨٨] .

. وقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [الآية ٢٤٥] . وهذه استعارة لأنّ الغنيّ بنفسه «١» لا يجوز عليه الاستقراض على حقيقته، ولكن المقرض في الشاهد لمّا كان اسما لمن أعطى غيره على أن يردّ عليه عوضه، أقام سبحانه توفية «٢» العوض عليه مقام ردّ القرض.

وقوله سبحانه: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً [الآية ٢٥٠] فهذه استعارة. كأنّهم قالوا: أمطرنا صبرا، واسقنا صبرا وفي قوله تعالى: أَفْرِغْ، زيادة فائدة على القول: أنزل، لأنّ الإفراغ يفيد سعة الشيء وكثرته، وانصبابه.

وقوله سبحانه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ [الآية ٢٥٧] وهذه استعارة. والمراد بها إخراج المؤمنين من الكفر إلى الايمان ومن الغيّ إلى الرشاد، ومن عمياء «٣» الجهل إلى بصائر العلم.

وكلّ ما في القرآن من ذكر الإخراج من الظّلمات إلى النور فالمراد به ما ذكرنا. وذلك من أحسن التشبيهات.

لأنّ الكفر كالظلمة التي يتسكّع فيها الخابط، ويضلّ القاصد. والإيمان كالنور الذي يؤمّه الحائر، ويهتدي به الجائر، لأنّ عاقبة الإيمان مضيئة بالإيمان والثواب، وعاقبة الكفر مظلمة


(١) . في الأصل «الغني لنفسه» وهو تحريف من الناسخ، فالله سبحانه غنيّ بنفسه، لا غنيّ لنفسه.
(٢) . في الأصل: «توفيه» بالهاء لا بالتاء المربوطة كما أصلحناه.
(٣) . جرى الناسخ على عدم إثبات همزة الممدود فكتب «عميا» بدون همزة، وقد همزنا ما أغفله في جميع المواطن بالكتاب، فلا حاجة إلى التنبيه عليه.