للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأقوال، وهو أن يكون المراد بحمّالة الحطب هنا، أنها تجمع على ظهرها الآثام، وتحتقب الأوزار، من قولهم فلان يحتطب على ظهره إذا فعل ما يجرّ به الآثام إلى نفسه. ومن ذلك سمّي الوزر، لأنه الذنب، الذي كان فاعله احتمل بفعله ثقلا على ظهره، ويكون ذكر الحبل هنا من تمام المعنى، الذي أشرنا إليه أيضا، لأنه تعالى لمّا ذكر الحطب على التأويل الذي ذكرناه، جاء بذكر الحبل معه لأن الحبل يجمع فيه الحاطب ما يحتطبه ويضم المحتقب ما يحتقبه وقيل إنّها كانت تمشي بالنميمة بين الناس، فلذلك قيل لها حمّالة الحطب، والمعنى يؤول إلى ما قلناه أوّلا، لأنّها تستحق على فعل النميمة عقابا، فكأنّها احتطبت الإثم على ظهرها من هذه الجهة، فكانت النميمة سببا في استحقاقها العقوبة وقيل أيضا إنها كانت تحمل الشوك على ظهرها، فتلقيه في طريق رسول الله (ص) ، ليستضرّ به في ممشاه عليه، وهذا التأويل يخرج الكلام من باب الاستعارة. وقال ابو عبيدة: المسد عند العرب حبل من أخلاط، وجمعه أمساد، وأنشد الراجز «١»

ومسد أمر من أيانق ... صهب «٢» عناق «٣» ذات مخّ زاهق

قيل إن المسد الليف الذي تفتل منه الحبال، أو أن المسد اسم للفتل نفسه وإنما قال تعالى حبل من فتل، تمييزا للحبل المفتول، ممّا يقع عليه هذا الاسم، لأنه يقال حبل الذراع وحبل العاتق، فإذا قيل من مسد، علم أنّه من الحبال المعهودة، وقيل إن المسد حبل من حديد، وإن ذلك يجعل في عنقها عند دخولها النار، وأخبر عمرو بن أبي


(١) . ذكر صاحب لسان العرب أنّ الراجز هو عقبة الهجيمي أو عمارة بن طارق. [في الأصل عقبة البهيمي] ، وذكر الرجز هكذا:
ومسد أمرّ من أيانق ... ليس بأنياب ولا حقائق
والأيانق والأنياب والحقائق ضروب من النياق.
(٢) . الصهب: الذي يخالط بياضه حمرة. [.....]
(٣) . العناق: الأنثى من أولاد المعز.