للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) .

ومنها: أنه قال في البقرة: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) . فدل بها على تفضيل هذه الأمة على اليهود تعريضا لا تصريحا، وكذلك قوله في سورة البقرة: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الآية ١٤٣] . في تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم بلفظ فيه يسير إبهام، وأتى في هذه بصريح البيان فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [الآية ١١٠] .

فقوله: كُنْتُمْ، أصرح في قدم ذلك من جعلناكم. ثم زاد وجه الخيرية بقوله: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [الآية ١١٠] «١» .

ومنها: أنه قال في البقرة: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ [الآية ١٨٨] . وبسط الوعيد هنا بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ [الآية ٧٧] .

وصدّره بقوله: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [الآية ٧٥] .

فهذه عدة مواضع وقعت في البقرة مجملة، وفي آل عمران مفصّلة.

الوجه الثاني: أن بين هذه السورة وسورة البقرة اتحادا، وتلاحما مؤكّدا، لما تقدم من أن البقرة بمنزلة إزالة الشبهة، ولهذا تكرر هنا ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقيقة الكتاب: من إنزال الكتاب، وتصديقه للكتب التي قبله، والهدى إلى الصراط


(١) . ومن الربط الوثيق بين الفاتحة والبقرة وآل عمران: أن الصراط المستقيم ذكر مجملا في الفاتحة، ثم عينه في الآية الثاني من البقرة بقوله: ذلِكَ الْكِتابُ. ثم عين طريق السير عليه في آل عمران بقوله: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١) .
ثم فصل وسيلة الاعتصام بالله، بالاعتصام بحبل الله، فلما كان الصراط المستقيم دقيقا جدا، ويحتاج السائر عليه الى غاية اليقظة، حث الله على الاعتصام بكتاب الله، وسماه حبلا ليناسب الصراط الدقيق، حيث يحمى السائر عليه من الزلل. وحذر من الفرقة، ودعا الى التذكير الدائم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر بمثابة التعليم الدائم، وتصحيح الأخطاء الناشئة عن الهوى. وانظر لزيادة البيان (نظم الدرر للبقاعي الجزء الأول ورقة: ١١٧٧، ب) .