العلم، وهو بيّن واضح، ومما يدلّ على هذا القول قوله عزّ وجل:
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ [الآية ٧] .
أي: أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم، فأعلم الله أنّ تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلّا الله عزّ وجلّ، والدليل على ذلك قوله:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف/ ٥٣] يريد قيام الساعة وما وعدوا من البعث والنشور.
وأما قوله سبحانه: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة/ ٢٥] فإنّ أهل اللغة قالوا: معنى «متشابها» يشبه بعضه بعضا في الجودة والحسن.
وقال المفسرون: «متشابها» يشبه بعضه بعضا في الصورة، ويختلف في الطعم، ودليل المفسرين قوله تعالى من الآية نفسها: هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ.
وفي الحديث في صفة القرآن:
«آمنوا بمتشابهه واعملوا بمحكمه» ، المتشابه: ما لم يتلقّ معناه من لفظه، وهو على ضربين:
أحدهما إذا ردّ إلى المحكم عرف معناه. والآخر ما لا سبيل إلى معرفة حقيقته، فالمتتبّع له مبتغ للفتنة لأنه لا يكاد ينتهي إلى شيء تسكن نفسه إليه.
أقول: لقد صرفت لغة القرآن مادة «تشابه» إلى مصطلح علمي من مصطلح التنزيل، ابتعادا عن الأصل في قولنا:
تشابه الشيئان مثل اشتبها، أي: أشبه كل واحد منهما صاحبه.
٤- وقال تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [الآية ٩] .
قال الزمخشري «في الكشاف ١/ ٣٣٩» :
جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ، أي:
تجمعهم لحساب يوم، أو لجزاء يوم كقوله تعالى:
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن/ ٩] .
وقرئ: (جامع الناس) ، على الأصل.
أقول: والقراءة الشهيرة والمثبتة في التنزيل العزيز هي بإضافة «جامع» إلى الناس. وهذا يعني أنه، سبحانه، سيجمعهم في يوم لا ريب فيه، وهو قيام الساعة.
والدلالة على الاستقبال، وهذا يخالف ما ذهب إليه النحويون كما سنبيّن: