للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً، أي: اقصدوا لصعيد طيّب، ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى صار التيمّم علما لمسح الوجه واليدين بالتراب.

وقال ابن سيده: التّيمّم التّوضّؤ بالتراب على البدل، وأصله من الأول، (يريد التأمّم) ، لأنه يقصد التراب فيتمسّح به. أقول: هذا طريق مسيرة الكلمة في تحولها من «القصد» العام الى المصطلح الفنّي بحيث صار التيمم، لدى الخاصة والعامة، التمسّح بالتراب. ولا بد من فائدة أخرى هي:

أن «الأمّ» ، (بفتح الهمزة) ، و «اليمّ» ، وكلاهما يعني القصد، أصلهما البعيد هو الظرف «أمام» ، وبشيء من لطف الصنعة، كما قالوا، صير إلى القصد فكأن من «يؤمّ» ، يذهب إلى «أمام» في الأصل ثم اتسع فيه.

وأرى أن «الإمام» ، وهو من يؤتمّ به، يلمح إلى هذا الأصل البعيد وهو الظرف «أمام» ، وكذلك الإمامة من غير شك.

وأسماء الجهات أمدّت العربية بطائفة كبيرة من المواد النافعة، ألا ترى أن «خلف» ، قد جاء منها الفعل «خلف» بفوائده الكثيرة، وصيغه المختلفة، ومن غير شك أن «الخليفة» ، و «الخلافة» من هذا.

ولا تحسبن كلمات «الخلف» ، و «الخلاف» ، و «الاختلاف» بعيدة عن الظرف «خلف» .

وإذا قلنا هذا، فإنما نقول مثله في «وراء» ، وليست التورية والمواراة إلا من هذا الظرف المكاني.

وهذا باب واسع لو استوفيته لتهيأ منه مجموع ظريف لطيف.

٧- وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [الآية ٦٦] .

أريد أن أشير إلى أن الآية الكريمة جعلت الخروج من الديار من الأمور الكبيرة التي تأتي بعد قتل النفس، فإذا كان قتل النفس عسيرا صعبا، لا يقدم عليه الإنسان إلا في أحوال نادرة، فإن الخروج من الديار من أشق الأمور على الإنسان.

٨- وقال تعالى: وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ [الآية ٧٣] .

ليس من شيء في هذه الآية الكريمة