أي: كأنّك جمل منها. وكما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ [الآية ١٥٩] أي: وإن منهم واحد إلّا ليؤمننّ به. والعرب تقول:
«رأيت الذي أمس» أي: رأيت الذي جاءك أمس» أو «تكلّم أمس» .
وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا [الآية ٤٦] وقوله تعالى: راعِنا أي:
«راعنا سمعك» . في معنى: أرعنا.
وقوله تعالى: غَيْرَ مُسْمَعٍ، أي: لا سمعت. وأما (غير مسمع) أي: لا يسمع منك فأنت غير مسمع.
وقال تعالى: وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ [الآية ٤٦] . وإنّما قال: وَانْظُرْنا لأنّها من «نظرته» أي: «انتظرته» . وقال سبحانه انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد/ ١٣] أي: انتظروا. وأما قوله تعالى وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
[النبأ/ ٤٠] فإنما هي: إلى ما قدّمت يداه. قال الشاعر [من الخفيف وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المائة] :
ظاهرات الجمال والحسن ينظر ... ن كما تنظر الأراك الظّباء
وان شئت كان نْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
على الاستفهام مثل قولك «ينظر خيرا قدّمت يداه أم شرّا» .
قال تعالى: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ [الآية ٥٦] فإن قال قائل: «أليس إنّما تعذّب الجلود التي عصت، فكيف يقول غَيْرَها» ؟
قلت: «إنّ العرب قد تقول: «أصوغ خاتما غير ذا» فيكسره ثم يصوغه صياغة أخرى. فهو الأول إلّا أن الصياغة تغيرت.
وقال تعالى وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) فهذا مثل «دهين» و «صريع» لأنك تقول: «سعرت» ف «هي مسعورة» وقال جلّ شأنه وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) [التكوير] «١» .
وقال تعالى: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥) أي: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [الآية ٦٥] وحتى وَيُسَلِّمُوا هذا كله معطوف على ما بعد حتى.
وقرئ: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [الآية ٦٦] برفع قَلِيلٌ لأن الفعل جعل لهم، وجعلوا بدلا من الأسماء المضمرة في الفعل.
(١) . وقد نقل هذا كله في الصحاح «سعر» .