قلنا: فيه إضمار تقديره: إلا نجوى من أمر بصدقة، فيكون استثناء الفعل من الفعل، ونظيره قوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ [البقرة/ ١٧٧] تقديره: برّ من آمن بالله.
فإن قيل لم قال تعالى: إِلَّا مَنْ أَمَرَ ثم قال وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ [الآية ١١٤] ؟
قلنا: ذكر الآمر بالخير ليدل به على خيرية الفاعل بالطريق الأولى، ثم ذكر الفاعل ووعده الأجر العظيم إظهارا لفضل الفاعل المؤتمر على الآمر الثاني. انه أراد: ومن يأمر بذلك، فعبر عن الأمر بالفعل كما يعبر به عن سائر أنواع الفعل، وإذا كان الآمر موعودا بالأجر العظيم كان الفاعل موعودا به بطريق الأولى.
فإن قيل لم قال تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً [الآية ١١٧] أي ما يعبدون من دون الله إلا اللات والعزى ومناة ونحوها وهي مؤنثة، ثم قال: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) أي ما يعبدون إلا الشيطان؟
قلنا: معناه أن عبادتهم للأصنام هي في الحقيقة عبادة للشيطان، إما لأنهم أطاعوا الشيطان في ما سول لهم وزين من عبادة الأصنام بالإغواء والإضلال، أو لأن الشيطان موكل بالأصنام يدعو الكفار إلى عبادتها شفاها ويتزيا للسّدنة فيكلمهم ليضلهم.
فإن قيل: كيف يقال إن العبد يحكم بكونه من أهل الجنة بمجرد الإيمان، والله تعالى شرط لذلك العمل الصالح بظاهر قوله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [الآيتان ٥٧ و ١٢٢] وقوله وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [الآية ١٢٤] وإلا لما كان للتقييد فائدة؟
قلنا: قيل إن المراد بالعمل الصالح الإخلاص في الإيمان، وقيل الثبات عليه إلى الموت، وكلاهما شرط في كون الإيمان سببا لدخول الجنة.
فإن قيل لم قال تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [الآية ١٢٣] والتائب المقبول التوبة غير مجزيّ بعمله، وكذلك من عمل سيئة ثم أتبعها حسنة، لأنها مذهبة لها وماحية بنص القرآن؟