قلنا: المراد به السبيل بالحجة والبرهان، والمؤمنون غالبون بالحجة دائما.
فإن قيل: كيف كان المنافق أشد عذابا من الكافر حتى قال الله تعالى في حقهم: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [الآية ١٤٥] مع أن المنافق أحسن حالا من الكافر، بدليل أنه معصوم الدم وغيره محكوم عليه بالكفر، ولهذا قال الله تعالى في حقهم: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ [الآية ١٤٣] ، فلم يجعلهم مؤمنين ولا كافرين؟
قلنا: المنافق، وإن كان في الظاهر أحسن حالا من الكافر، إلا أنه عند الله في الآخرة أسوأ حالا منه لأنه شاركه في الكفر وزاد عليه الاستهزاء بالإسلام وأهله ومخادعة الله والمؤمنين.
فإن قيل: الجهر بالسوء غير محبوب عند الله تعالى أصلا، بل المحبوب عنده العفو والصفح والتجاوز فكيف قال: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [الآية ١٤٨] : أي إلّا جهر من ظلم.
قلنا: معناه ولا جهر من ظلم ف «إلا» بمعنى ولا، وقد سبق نظيره وشاهده في قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً [الآية ٩٢] .
فإن قيل: كيف جاز دخول «بين» على أحد في قوله تعالى وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [الآية ١٥٢] و «بين» تقتضي اثنين فصاعدا، يقال فرقت بين زيد وعمرو، وبين القوم، ولا يقال فرقت بين زيد؟
قلنا: قد سبق هذا السؤال وجوابه في قوله تعالى: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [البقرة/ ٦٨] في سورة البقرة أيضا.
فإن قيل: ما الحكمة من إعادة الكفر في الآية الثانية بقوله تعالى وَبِكُفْرِهِمْ [الآية ١٥٥] بعد قوله سبحانه في الآية نفسها: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ.
قلنا: لأنه قد تكرر الكفر منهم فإنهم كفروا بموسى وعيسى عليهما السلام، ثم بمحمد عليه الصلاة والسلام، فعطف بعض كفرهم على بعض.
فإن قيل: اليهود كانوا كافرين بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يسمونه الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة، فكيف أقروا أنه رسول الله بقولهم، كما ورد في القرآن الكريم