بيّن لهم أن الله خالق الهداية، ومانح التوفيق. ثم رأى إبراهيم الشمس بازغة يتألق نورها وينبعث منها شعاعها، وقد كست الدنيا جمالا، وملأت الأرض حياة وبهاء، وأرجاء الكون نورا وضياء، فقال: هذا ربي، هذا أكبر من كل الكواكب، وأكثر نفعا، وأجل شأنا، فلما أفلت كغيرها، وغابت عن عبادها، رماهم بالشرك وقال كما روى القرآن، حكاية عنه:
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) .
فهذه الكواكب التي تنتقل من مكان إلى مكان، وتتحوّل من حال إلى حال، لا بد لها من خالق يدبرها ويحركها، وإله ينظمها ويسيّرها فهي لا تستحق عبادة ولا تعظيما.
وبعد أن أعلن إبراهيم انصرافه عن آلهتهم، وبراءته من معبوداتهم أفاض الحديث عن إخلاصه لله بعبادته وخضوعه، فقال كما ورد في محكم التنزيل:
ولقد كان إبراهيم جريئا في إعلان إيمانه، وإخلاصه لربّه، ومجادلة قومه، وإفهامهم أن غير الله لا ينفع ولا يضرّ، وأن الله وحده هو النافع الضارّ، والمعطي المانع، وهو على كل شيء قدير. وقد ناقش إبراهيم أباه، وأوضح له طريق الهدى، وأخلص الدعاء لأبيه أن يلهمه الله طريق الهداية والرشاد، فلما تبيّن لإبراهيم أنّ أباه عدوّ لله تبرّأ منه. وهكذا كان إبراهيم عمليا في دعوته، عمليّا في هجرته وعزلته.
وقد ظهرت قدرة إبراهيم وإخلاصه وتضحيته، حينما حطّم الأصنام، ولام قومه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وظهرت بطولة إبراهيم حينما امتحنه الله بذبح ولده إسماعيل، فامتثل إبراهيم لأمر ربّه، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:
يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)[الصافات] .