للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللّبس واللّبس: اختلاط الأمر، ولبس عليه الأمر يلبسه لبسا فالتبس، إذا خلطه عليه حتى لا يعرف جهته.

وعلى هذا، فرّق بالفعل بين معنى الخلط وبين قولهم: لبس الثوب فهذه الأخيرة مثل «علم» ، والتي تفيد الخلط مثل «ضرب» . كما فرّق بالمصدر، فمصدر قولهم: لبس الثوب «اللّبس» بضم اللام، أما ما يفيد الخلط فهو «اللّبس» بفتح اللام.

وقالوا: لا بس الرجل الأمر بمعنى خالطه ولا بست فلانا: عرفت باطنه.

أقول: هذه هي الملابسة، أمّا أن يراد بها الالتباس كما في اللغة المعاصرة، فهو أمر جديد حدث عن طريق الاتساع، لأنّ الكلمة تفيد المخالطة. وقد كنا عرضنا لشيء من مادة «لبس» .

٧- وقال تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [الآية ٦٨] .

المراد بقوله تعالى: يَخُوضُونَ فِي آياتِنا، أي: في الاستهزاء بها والطعن فيها.

أقول: جاءت مادة «الخوض» ، فعلا، ومصدرا، واسم فاعل في إحدى عشرة آية، وفي جميعها قد انصرف «الخوض» إلى الدخول في الباطل وما لا ينبغي، ومن ذلك قوله تعالى:

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) [الطور] .

غير أننا نجد «الخوض» ، مستعملا في العربية المعاصرة غير متصف بهذه الخصوصية المعنوية، فهو عام يكون في الخير والشر، والحق والباطل، يقال مثلا: «كنا نخوض في مختلف الشؤون» ، والشؤون تكون حقا وباطلا، وقد تكون كلها حقا. وهذا يعني أن المعربين قد جهلوا الكثير من خصائص هذه اللغة العريقة.

٨- وقال تعالى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها [الآية ٧٠] .

قوله تعالى: وَذَكِّرْ بِهِ، أي:

بالقرآن، والمراد ب أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي: مخافة أن تسلم النفس إلى الهلكة والعذاب، وترتهن بسوء كسبها. وأصل الإبسال: المنع، لأن المسلم إليه يمنع