فإن قيل: لم أبهم فاعل التزيين هنا فقال تعالى كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وقال سبحانه في آية أخرى زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ [النمل: ٤] وقال في آية أخرى وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [النمل: ٢٤] فمن هو مزيّن الأعمال للكفار في الحقيقة؟
قلنا: التزيين من الشيطان بالإغواء والإضلال والوسوسة وإيراد الشبه، ومن الله تعالى بخلق جميع ذلك، فصحّت الإضافتان.
فإن قيل: لم قال تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
[الآية ١٣٠] والرسل إنما كانت من الإنس خاصة؟
قلنا: المراد برسل الجن هم الذين سمعوا القرآن من النبي (ص) وولّوا إلى قومهم منذرين، كما قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [الأحقاف: ٢٩] . الثاني: أنه كقوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) [الرحمن] والمراد من أحدهما، لأنه إنّما يخرج من الملح.
والثالث: أنه بعث إليهم رسل منهم، قاله الضحّاك ومقاتل.
فإن قيل: لم ذكر شهادتهم على أنفسهم في قوله تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
[الآية ١٣٠] ، والمعنى فيهما واحد؟
قلنا: المعنى المشهود به متعدّد وإن كان في الشهادة واحدا، إلا أنهم في الأولى شهدوا على أنفسهم بتبليغ الرسل وإنذارهم، وفي الثانية شهدوا على أنفسهم بالكفر، وهما متغايران.
فإن قيل: كيف أقرّوا في هذه الآية بالكفر وشهدوا على أنفسهم به، وجحدوه في قوله تعالى: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) ؟
قلنا: مواقف القيامة ومواطنها مختلفة، ففي بعضها يقرّون وفي بعضها يجحدون، أو يكون المراد هنا شهادة أعضائهم عليهم حينما يختم على أفواههم، كما قال تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [يس: ٦٥] .
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الآية ١٤٠] والسّفه لا يكون إلا عن جهل؟
قلنا: معنى قوله تعالى بِغَيْرِ عِلْمٍ بغير حجة، وقيل بغير علم، بمقدار