للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمراد أنهم دعوا له سبحانه بنين وبنات بغير علم، وذلك مأخوذ من «الخرق» وهي الأرض الواسعة، وجمعها خروق، لأنّ الريح تتخرّق فيها، أي تتسع. والخرق من الرجال:

الكثير العطاء، فكأنّه يتخرق.

«والخرقة» جماعة الجراد مثل الحرقة، والخريق: الريح الشديدة الهبوب.

فكأنّ معنى قوله تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ أي اتّسعوا في دعوى البنين والبنات له، وهم كاذبون في ذلك.

والاختراق، والاختراع، والانتسال بمعنى واحد، وهو الادعاء للشيء على طريق الكذب والزور.

وفي قوله سبحانه: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الآية ١١٢] استعارة. لأن الزخرف في لغة العرب:

الزينة. ومن ذلك قولهم: دار مزخرفة أي مزيّنة. فكأنه تعالى قال: يزيّنون لهم القول ليغترّوا به، وينخدعوا بظاهره، كما يستغرّ بظاهر جميل، على باطن مدخول.

وفي قوله تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الآية ١١٠] استعارة. لأن تقليب القلوب والأبصار على الحقيقة وإزالتها عن مواضعها، وإقلاقها عن مناصبها لا يصحّ، والبنية صحيحة والجملة حيّة متصرّفة. وإنما المراد، والله أعلم، أنّا نرميها بالحيرة والمخافة، جزاء على الكفر والضلالة. فتكون الأفئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف، وتكون الأبصار منزعجة لتوقّع طلوع المكاره. وقد قيل: إنّ المراد بذلك تقليبها على قراميص «١» الجمر في نار جهنم، وذلك يخرج الكلام عن حيّز الاستعارة إلى حيز الحقيقة.

وفي قوله تعالى: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الآية ١١٣] . وهذه استعارة. والمعنى:

ولتميل إليه أفئدة هؤلاء المذكورين.

ويقال: صغى فلان إلى فلان. أي مال إليه. وصغوه معه: أي ميله. ومنه أصغى بسمعه إلى الكلام. إذا أماله إلى جهته، ليقرب من استماعه. وميل القلب إلى المعتقدات، كميل السمع إلى المسموعات.

وفي قوله تعالى:


(١) . القراميص: جمع قرماص، وهو في الأصل الحفرة الواسعة الجوف الضيقة الرأس أو هي موضع خبز الملّة.