للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ

(٩) .

والمراد: وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها، والمعنى: والوزن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحقّ، أي: العدل.

ومن ثقلت موازينه، أي: من رجحت أعماله الموزونة، وهي الحسنات فهو من المفلحين، ومن خفّت موازينه إشارة الى سيئاته، فقد خسر نفسه.

أقول: وصف الحسنات وأعمال الخير بالثّقل حينما توزن تعبير جميل، ما زال أهل عصرنا يستخدمون شيئا منه فيقولون رجل ذو وزن، أي: ذو قدر عظيم ومكانة، ويقولون في دارجتهم العامّية، فلان موزون بالمعنى نفسه، ويقال في طائفة من الألسن الدارجة:

هو ثقيل بإبدال القاف كافا ثقيلة «ثكيل» وبكسر الثاء، وهي لغة قديمة في فعيل، إنها لغة تميم.

على أن الفصيحة تأبى الوصف ب «الثقيل» ، لهذا المعنى وهو: من رجحت موازينه، والثقيل في الفصيحة القديمة والمعاصرة البليد الجامد الحسّ. على أن الفصيحة قد شاع فيها «ثقل الموازين» ، لمن كثرت حسناته ورجحت أعماله الحسنة، ويحسن بنا أن نشير إلى أن «الخفيف» قد يكون صفة إيجابية في العربية الفصيحة، فيقال: فلان خفيف الظل، ويكون صفة غير مقبولة في الألسن الدارجة.

فالرجل الخفيف هو غير الرزين العاقل المستحي، وهو الشعشاع غير المتأدّب المتحرّج.

٤- وقال تعالى: قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) .

المعنى: فما يصحّ لك ان تتكبّر فيها وتعصي.

وهذا من لطيف استعمال الفعل «يكون» وهو شيء آخر غير «كان» ذات العمل الخاص، وهو رفع المسند إليه ونصب المسند.

والمراد ب «الصاغرين» أهل الصّغار والهوان.

والصّغار: الذّلّ والضّيم وكذلك الصّغر، والمصدر الصّغر بالتحريك وصغر فلان يصغر صغرا وصغارا فهو صاغر، إذا رضي بالضيم.