للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالقاصدين عنها. والمراد: لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم، فلمّا حذف الجارّ انتصب الصراط.

والحذف هنها أبلغ في الفصاحة، وأعرق في أصول العربية. ونظيره قول الشاعر «١» .

كما عسل الطريق الثعلب

أي عسل في الطريق.

وكلّ ما في القرآن من ذكر سبيل الله سبحانه، فالمراد به الطريق المفضية إلى طاعته عاجلا، وإلى جنّته آجلا.

وقوله سبحانه: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ [الآية ٢٢] . استعارة. والمراد أنه أوقعهما في أهوائه بغروره لهما. وكل واقع في مثل ذلك فإنه نازل من علو إلى استفال، ومن كرامة إلى إذلال.

فلذلك قال تعالى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ.

وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير، عند القول فيما اختلف العلماء فيه من ذنوب الأنبياء (ع) .

وقول تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ [الآية ٢٦] وقد قرئ:

ورياشا «٢» ، وهما جميعا استعارة هنا «٣» . لأنّ المراد بهما اللباس.

وسمي اللباس ريشا ورياشا تشبيها بريش الطائر الذي يستر جملته. ومن كلام العرب: أعطيته رجلا بريشه. أي بكسوته.

وقال المفسّرون: معنى لباس التّقوى، ما كان من الملابس يستر العورة، لأنّ ستر العورة من أسباب التّقوى. وقرئ: «ولباس التّقوى» .

نصبا بأنزلنا عليكم. والرفع فيه على معنى الابتداء. ويكون «خير» خبرا له. فيكون المعنى: ولباس التقوى المشار إليه خير. وهذا أسدّ القولين في هذا المعنى.

وفي قوله تعالى:


(١) . هو الشاعر ساعدة بن جؤبة يصف رمحا. والبيت كاملا هو:
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه، كما عسل الطريق الثّعلب
انظر ابن هشام في «أوضح المسالك» ج ٢ من ١٦.
(٢) . قرأ ذلك الحسن وعاصم من رواية المفضّل الضبّي، كما قرأه ابو عمرو من رواية الحسين بن علي الجعفي.
(٣) . الاستعارة في قوله تعالى قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً لا تتّضح إلا إذا كان اللباس هو المطر الذي به ينبت القطن والكتان. أي أنزلنا عليكم مطرا ينتج القطن والنبات الذي تتخذون منه ملابسكم- انظر القرطبي ج ٧ من ١٨٤.