للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوم بعد إجلائهم وحربهم. فقال سبحانه في هذه السورة: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها [الآية ١٣٧] .

وقال تعالى في موضع آخر: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها [الأحزاب: ٢٧] وليس يصحّ في ميراث الجنّة مثل هذه المعاني التي ذكرت، لأن الجنة لا يسكنها قوم بعد قوم قد فارقوها وانتقلوا عنها. فقوله سبحانه:

أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها على الأصل الذي قدّمناه استعارة. ويكون المعنى الذي يسوّغ هذه الاستعارة، أنّ هؤلاء المؤمنين لمّا عملوا في الدار الدنيا أعمالا استحقّوا عليها الجزاء والثواب، ولم يصحّ أن يوفّر عليهم ذلك إلا في الجنّة، وهي من الدار الاخرة فكأنّهم استحقّوا دخولها.

فحسن من هذا الوجه أن يوصفوا بأنهم أورثوها، وإن لم يكن سكناهم لها بعد سكنى قوم آخرين انتقلوا عنها.

وسوّغ ذلك أيضا اختلاف حال الدّارين، وانتقالهم من الأولى إلى الآخرة. فكأنّ ما عملوه في الدار الأولى كان سببا لما وصلوا إليه في الدار الاخرة، كما يستحقّ الميراث بالسبب.

وقوله تعالى: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً [الآية ٤٥] وهذه استعارة، فإن، سبيل الله سبحانه:

دينه. ومعنى وَيَبْغُونَها عِوَجاً أي يبتغون عنها المتحاول، ويطلبون منها الفسح والمخارج، ويوهمون بالشّبهات أنّها معوجّة غير قويمة، ومضطربة غير مستقيمة.

وقوله تعالى: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) وقد مضى نظير ذلك في أوّل السورة.

وقوله سبحانه: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ [الآية ٥٤] وهذه استعارة.