تاب منهم عن الكتمان وآمن يقبل الله توبته، ومن أصرّ على الكفر استحقّ تلك اللعنة، ثم شرع يوبخ اليهود على انقيادهم لأولئك الأحبار الذين يكتمون عنهم ذلك، واتخاذهم أندادا من دون الله، فذكر سبحانه لهم أنّ إلههم واحد لا شريك له، وأنّ في خلق السماوات والأرض وغيرهما آيات دالّة على تفرّده بالألوهية، فلا يليق بهم أن يتّخذوا أحبارهم الذين يكتمون عليهم ذلك أندادا من دونه، فيحبّوهم كحبّه ولا يعصوهم في شيء. ولو يرون ما أعدّ لهم من العذاب لتدبّروا في أمرهم، لأنّهم حين يرونه تتقطع بهم الأسباب، ويتبرّأ المتبوعون من التابعين، فلا يمنعون عنهم شيئا من العذاب. ويودّ التابعون لو أنّ لهم كرّة إلى الدنيا لتبرءوا منهم كما تبّرأوا منهم، ثم أمرهم بعد هذا التحذير البالغ من أحبارهم أن يأكلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا، ولا يتّبعوا خطواتهم في ما يحرمون عليهم من الطيبات، لأنّهم يتّبعون بهذا خطوات الشيطان وهو أشدّ أعدائهم، ويقولون على الله ما لا يعلمون تقليدا لأحبارهم، ولكنّهم إذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله من حل تلك الطيبات، أبوا إلّا تقليد أولئك الأحبار، ولو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، ومثل من يدعوهم إلى ذلك كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء، ولا يفهم ممّا يدّعي به شيئا.
ثم ترك دعاءهم إلى ذلك لأنّه لا يرجى صلاحهم، وأمر المؤمنين بما أمر به أولئك المخالفين، وأن يشكروه على ما أحلّ من ذلك، وذكر لهم أنّه لم يحرّم عليهم إلّا الميتة والدم وما ذكر معهما، ثم عاد السياق إلى أولئك الأحبار فذكر أنّهم يكتمون ما أنزل الله من البشارة بالنّبي (ص) ، ويشترون بهذا ثمنا قليلا من دنياهم، وهددهم بأنهم يأكلون به نارا في بطونهم، وينالون به غضبه عزّ وجلّ عليهم في أخراهم، إلى غير هذا ممّا ذكره في تهديدهم ثم ذكر أنّهم استحقوا ذلك بأنّه نزّل القرآن بالحق فلم يؤمنوا به، ووقعوا في ذلك الشغب والشقاق البعيد، وهو الذي جاء في تلك المقالات التي ردّت عليهم.
ثم ختم ذلك الجدال معهم بأنّ ما يتعلقون به من أمر القبلة لا يذكر فيما يجب من البرّ، ولكن البرّ من آمن بالله واليوم والاخر والملائكة والكتاب والنبيّين وآتى المال، على حبه، ذوي