للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكتبوا بينهما «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول الله (ص) ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصّتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله (ص) ولم يبيّن لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم «١» ، ووضعتها في السبع الطوال «٢» .

فانظر إلى ابن عباس رضي الله عنه، كيف استشكل على عثمان رضي الله عنه أمرين: وضع «الأنفال» و «براءة» في أثناء السبع الطوال، مفصولا بهما بين السادسة والسابعة، ووضع الأنفال وهي قصيرة مع السور الطويلة. وانظر كيف أجاب عثمان رضي الله عنه، أولا بأنه لم يكن عنده في ذلك توقيف، فإنه استند إلى اجتهاد، وأنه قرن بين «الأنفال» و «براءة» لكونها شبيهة بقصتها في اشتمال كل منهما على القتال، ونبذ العهود، وهذا وجه بيّن المناسبة جليّ، فرضي الله عن الصحابة، ما أدقّ أفهامهم! وأجزل آراءهم! وأعظم أحلامهم! وأقول: يتم بيان مقصد عثمان رضي الله عنه في ذلك بأمور فتح الله بها:

الأول: أنه جعل الأنفال قبل براءة مع قصرها، لكونها مشتملة على البسملة، فقدّمها لتكون لفظة منها، وتكون «براءة» بخلوّها من البسملة كتتمّتها وبقيّتها، ولهذا قال جماعة من السلف: إن «الأنفال» و «براءة» سورة


(١) . قال الباقلاني: إنّما لم تكتب البسملة أول براءة، لأن النبي (ص) أراد أن يعلم من بعده أن كاتبي فواتح السور لم يكتبوها برأيهم، وإنّما اتبعوا ما سنّ وشرع، وإلّا فلا فرق بين براءة وغيرها لو كان من طرق الرأي. وأيضا فإن براءة نزلت بالسيف وبعض العهود، وفي البسملة رأفة ورحمة وأمان، فتركت لأجل ذلك (نكت الانتصار لنقل القرآن: ٧٧، ٧٨) .
(٢) . أخرجه احمد في المسند: ١: ٥٧ وأبو داود في الصلاة: ١: ٢٠٨، والترمذي في التفسير: ٨: ٤٧٧- ٤٧٨، والحاكم في المستدرك: ٢: ٣٣٠، وانظر الدر المنثور: ٢: ٢٠٧، وعزاه السيوطي لابن أبي شبية والنسائي، ولم أجده في النسائي.