قلنا: معناه: امض على ما رأيته صوابا، من تنفيل الغزاة في قسمة الغنائم وإن كرهوا، كما مضيت في خروجك من بيتك للحرب بالحقّ، وهم كارهون. وقيل معناه: فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فهو خير لكم، وإن كرهتم، كما كان إخراجك من بيتك بالحقّ؟
فإن قيل: لم قال تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ [الآية ٨] وكلاهما متعذّر، لأنه تحصيل حاصل؟
فإن قيل ما الحكمة من التكرار في قوله تعالى: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ؟
قلنا: إنّما ذكر أوّلا، لبيان أن إرادتهم كانت متعلقة باختيار الطائفة، التي كانت فيها الغنيمة، وإرادة الله تعالى باختيار الطائفة التي في قهرها نصرة الدين، فذكره أوّلا للتمييز بين الإرادتين، ثم ذكره ثانيا لبيان الحكمة في قطع دابر الكافرين.
فإن قيل: لم قال تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الآية ١٧] ومعلوم أن المؤمنين يوم بدر قتلوا الكفار، ورماهم النبي (ص) بكفّ من حصا الوادي في وجوههم، وقال:
شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك إلّا وقع في عينيه شيء من ذلك، فشغلوا بعيونهم وانهزموا، فتبعهم المؤمنون يقتلون ويأسرون؟
قلنا: لمّا كان السبب الأقوى في قتلهم، إنّما هو مدد الملائكة وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، وتثبيت قلوب المؤمنين وأقدامهم، وذلك كله فعل الله تعالى، نفى الفعل عنهم ونسبه إليه، يعني إن كان ذلك في الصورة منكم فهو في الحقيقة مني، فسبيلكم الشكر دون العجب والفخر، وكذلك الرمية أثبتها لرسول الله (ص) لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يوجد مثله عن رمي البشر، فعل الله تعالى. ونظير هذا، قولك لمن يصدر عنه قول حسن أو فعل مكروه، بتسليط من هو أعلى رتبة منه: هذا ليس قولك ولا فعلك. وقيل معنى قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [الآية ١٧] وما رميت الرعب في