فما الحكمة في قوله تعالى لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ؟
قلنا: معناه لتولّوا عن الإيمان، وأعرضوا عن البرهان، فلا تكرار.
فإن قيل: فما الحكمة في ذكر السماء في قوله تعالى: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الآية ٣٢] والمطر إنما يكون من السماء؟
قلنا: الجواب الاول المطر المطلق، إنما يكون من السماء ولكن المطر المضاف هنا، وهو مطر الحجارة، قد يكون من رؤوس الجبال، ومن حيطان المساكن والقصور وسقوفها فكان ذكر السماء مفيدا، لأنّ الحجارة إذا نزلت من السماء، كانت أشدّ نكاية، وأكثر ضررا. الجواب الثاني، أنه لما كانت الحجارة المسوّمة للعذاب، وهي السّجّيل معهودة النزول من السماء، ذكر السماء إشارة إلى إرادة المعهود من الحجارة، كأنه قال: فأمطر علينا حجارة من سجّيل فوضع قوله من السماء، موضع قوله من سجيل، كما يقول: صبّ عليه مسرودة من حديد، يعني درعا.
فإن قيل: لم قال تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الآية ٣٣] ويوم بدر عذبهم الله تعالى بالقتل والأسر، وهو فيهم؟
قلنا: معناه وأنت مقيم فيهم بمكة، وكان كذلك، لأن النبي (ص) ما دام بمكة لم يعذّبوا، فلما أخرجوه من مكة وخرجوا لحربه عذّبوا. وقيل معناه:
وما كان الله ليعذّبهم عذاب الاستئصال، وأنت فيهم. وقيل معناه:
وما كان الله ليعذّبهم العذاب الذي طلبوه، وهو إمطار الحجارة، وأنت فيهم.
فإن قيل: لم قال الله تعالى أوّلا وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الآية ٣٣] ، ثم قال جلّ وعلا وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ [الآية ٣٤] ، وهو يوهم التناقض؟
قلنا: معناه وما لهم أن لا يعذّبهم الله بعد خروجك من بينهم، وخروج المؤمنين والمستغفرين. وقيل: المراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال، وبالثاني عذاب غير الاستئصال، وقيل:
المراد بالأول عذاب الدنيا، وبالثاني عذاب الاخرة.
فإن قيل: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً [الآية ٣٥] والمكاء الصفير، والتصدية التصفيق، وهما ليسا بصلاة؟