للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى أقرب إلى العبد من قبله، فكأنه حائل بينه وبين قلبه من هذا الوجه أو يكون المعنى: أنه تعالى قادر على تبديل قلب المرء، من حال الى حال، إذا كان سبحانه موصوفا، بأنه مقلّب القلوب والمعنى انه ينقلها من حال الأمن إلى حال الخوف، ومن حال الخوف الى حال الأمن، ومن حال المساءة إلى حال السرور، ومن حال المحبوب الى حال المكروه.

وقوله تعالى: وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ [الآية ٣٧] .

وهذه استعارة، والمراد بها: العمل الخبيث وهو ما يستحق العقاب، ولا يصح فيه أن يركم بعضه على بعض، وإنّما يصح ذلك في الأجسام والأجرام فالمراد، إذا وصفت العمل الخبيث بالكثرة، كثرة فاعله، ومن صفات الكثرة تراكم الشيء بعضه على بعض، كالرمل الهيام «١» والسحاب الرّكام، ومعنى (جعله في جهنم) العقاب ينزل عليه بنار جهنم وقد قيل في ذلك وجه آخر، يخرج الكلام من باب الاستعارة، وهو أن يكون المراد بالخبيث هاهنا المال الذي أخذ من غير حق، وأنفق في غير حقه. فإنّ الله سبحانه، يجعله في نار جهنم مع آخذيه، من الوجوه المحرّمة، ومنفقيه في الوجوه المذمومة، على طريق العقوبة لهم والتجديد لخسرانهم، كلما كثر إليه نظرهم، كما قال سبحانه، في صفة الأموال المكنوزة الممنوعة من إخراج الزكاة: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥) [التوبة] .

وقوله تعالى: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الآية ٤٦] .

وهذه استعارة، لأنه لا ريح هناك على الحقيقة، وإنما ذلك على مخرج قول العرب: «قد هبّت ريح فلان» إذا تجددت له دولة، أو ظهرت له نعمة، ويقولون: «الريح مع فلان» أي الإقبال معه، والأقدار تساعده. وأصل ذلك أن الريح في الحرب، إذا كان مجراها مع


(١) . الرّمل الهيام: ما لا يتماسك.