عليهم القتال تولوا إلّا قليلا منهم. ولما ذكر لهم صموئيل أنّ الله بعث لهم طالوت ملكا عابوه لفقره. فردّ عليهم بأنّه يفضلهم ببسطة العلم والجسم، وبأنّه سبحانه يؤتي ملكه من يشاء ولا ينازعه أحد في ملكه، ثم ذكر ابتلاءه لجند طالوت حين خرج بهم، وأنّه لم يصبر على هذا الابتلاء إلا قليل منهم، فساروا معه حتى إذا رأوا جالوت وجنوده قالوا لا طاقة لنا بهم، وقال الذين يظنون أنّهم ملاقو الله، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، ثم برزوا لهم واستعانوا بالله عليهم، فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة جزاء له على قتله ثم ختم القصة ببيان حكمة الجهاد في سبيله، فذكر أنّه لولا دفع العصاة بالطائعين لفسدت الأرض، ثم نوّه بشأن ما تلاه من الآيات، في تلك القصة وجعلها دليلا على أنّه من المرسلين ثم ذكر أنّه فضّل بعضهم على بعض في الآيات، وأنّه سبحانه لو شاء، لهدى الناس ولم يقتتلوا من بعد ما جاءهم منها، ولكنّهم اختلفوا:
فمنهم من آمن ومنهم من كفر، وقاتل الكافرون المؤمنين فقاتلوهم كما يقاتلونهم.
ثم أخذ يحضّهم على الجهاد بطريق الترغيب، فأمرهم أن ينفقوا فيه ممّا رزقهم من قبل أن يأتي يوم لا يقبل فيه فداء، ولا تفيد فيه صداقة ولا شفاعة، ثم ذكر من عظمته ما يؤكد ذلك، ويثبت أنّه لا يمكن أن يشفع أحد عنده إلّا بإذنه، وهو لا يأذن بالشفاعة إلّا في حق الطائعين المجاهدين في سبيله، ثم ذكر أنّه لا يكرههم بذلك على الإنفاق والجهاد، لأنه لا إكراه في الدين، وقد تبيّن الرشد من الغيّ، فمن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقى، ثم ذكر أنّه هو الذي يتولّى المؤمنين فيخرجهم من الظلمات إلى النور، وأنّ الكافرين أولياؤهم الطاغوت فيخرجونهم من النور إلى الظلمات وبهذا يصير المؤمنون إلى الإيمان باختيارهم وتوفيق الله لهم ويصير الكافرون إلى الكفر باختيارهم وإيثارهم ولاية الطاغوت لهم ثم ضرب لذلك ثلاثة أمثال: أولها مثل إبراهيم ونمرود، فقد أفحمه إبراهيم بدليله ولكنّه تولى الطاغوت فأضلّه وثانيها مثل الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنّى يحيي هذه الله بعد موتها؟ ثم تولّاه الله فهداه وثالثها مثل إبراهيم حين قال: ربّ