لا نتأهّل لعبادة الله تعالى بغير واسطة، لعظمة إجلاله، ونقصنا وحقارتنا، فجعلوا الأصنام وسائط، كما قال تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر/ ٣] وطائفة كانت تقول:
نتّخذ أصناما على هيئة الملائكة، ونعبدهم، لتشفع لنا الملائكة عند الله، ليقرّبونا إلى الله، وطائفة كانت تقول:
الأصنام قبلة لنا في عبادة الله، كما أن الكعبة قبلة في عبادته، وطائفة، وهي الأكثر، كانت تقول: على كل صنم شيطان موكل به من عند الله، فمن عبد الصنم حق عبادته، قضى الشيطان حوائجه على وفق مراده، بأمر الله، ومن قصّر في عبادة الصنم أصابه الشيطان بنكبة بأمر الله فكل الطوائف من عبدة الأصنام، كانوا يعتقدون بعبادتهم الأصنام عبادة الله، والتقرب إليه، ولكن بطرق مختلفة.
فإن قيل: لم قال تعالى: فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) فحصر سبحانه شهادته على أفعالهم، في الآخرة، مع أنه شهيد على أفعالهم في الدنيا والآخرة؟
قلنا: ذكر الشهادة وأراد مقتضاها ونتيجتها، وهو العقاب والجزاء، فكأنه قال: ثم الله يعاقب على ما يفعلون، أو مجاز على ما يفعلون، كما قال تعالى:
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة/ ١٩٧] ونظائره في القرآن العزيز كثيرة.
فإن قيل: لم قال تعالى: بَياتاً أَوْ نَهاراً [الآية ٥٠] ولم يقل ليلا أو نهارا، وهو أظهر في المطابقة، استعمالا مع النهار في القرآن العزيز وغيره؟
قلنا: لأن المعهود المألوف في كلام العرب، عند ذكر البطش والإهلاك والوعيد والتهديد، ذكر لفظ البيات سواء أقرن به النهار أم لم يقرن، فلذلك لم يقل ليلا.
فإن قيل: لم قال تعالى: ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أي ماذا يستعجلون منه، وأول الآية للمواجهة؟
قلنا: أراد بذكر المجرمين الدلالة على موجب ترك الاستعجال، وهو الإجرام، لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه ويفزع من مجيئه، وإن أبطأ، فضلا عن أن يستعجله.