قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
(٨٧) فثنّي أولا ثم جمع ثم أفرد؟
قلنا: خوطب أولا موسى وهارون أن يتبوّءا لقومهما بيوتا، ويختاراها للعبادة، وذلك ممّا يفوض إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم سيق الخطاب عامّا لهما، ولقومهما، باتّخاذ المساجد والصلاة فيها، لأن ذلك واجب على الجمهور، ثم خصّ موسى (ع) بالبشارة تعظيما لها أو تعظيما له عليه السلام.
فإن قيل: لم قال تعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما [الآية ٨٩] أضافها إليهما، والدعوة إنما صدرت عن موسى عليه السلام، قال الله تعالى:
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً [الآية ٨٨] إلى آخر الآية؟
قلنا: نقل أن موسى (ع) كان يدعو، وهارون (ع) كان يؤمّن على دعائه والتأمين دعاء في المعنى، فلهذا أضاف الدعوة إليهما. الثاني: أنه يجوز أن يكون هارون دعا أيضا مع موسى، إلا أن الله تعالى خصّ موسى بالذكر، لأنه كان أسبق بالدعوة، وكان أصلا فيها، فجاء هارون ليعاونه في حملها بدعوة من موسى، استجاب لها الله تعالى.
فإن قيل: لو كان كذلك، لقال تعالى دعونا كما بالتثنية؟
قلنا: لما كانت الدعوة مصدرا، اكتفي بذكرها في موضع الإفراد والتثنية والجمع بصيغة واحدة كسائر المصادر، ونظيره قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة/ ٧] .
فإن قيل: لم قال تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ [الآية ٩٤] و «إن» إنما تدخل على ما هو محتمل الوجود، وشك النبي (ص) في القرآن منتف قطعا؟
قلنا: الخطاب ليس للنبي (ص) بل لمن كان شاكّا في القرآن، وفي نبوة محمد (ص) ، فكأنه قال «فإن كنت أيّها الإنسان في شكّ» .
فإن قيل: قوله تعالى: مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يدل على أن الخطاب للنبي (ص) لا لغيره.
قلنا: لا يدل، قال الله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) [النساء]