وهذه استعارة لأنّ حقيقة الطمس محو الأثر. من قولهم: طمست الكتاب. إذا محوت سطوره. وطمست الريح ربع الحيّ. إذا محت رسومه. فكأنّ موسى عليه السلام، إنما دعا الله سبحانه بأن يمحو معارف أموالهم بالمسح لها، حتى لا يعرفوها، ولا يهتدوا إليها، وتكون منقلبة عن حال الانتفاع بها، لأن الطمس تغيّر حال الشيء الى الدّثور والدّروس.
وقوله تعالى: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ استعارة أخرى. إما أن يكون المراد بها ما يراد بالختم والطبع. لأن معنى الشدّ يرجع الى ذلك. أو يكون المراد به تثقيل العقاب على القلوب، بالإيلام لها، ومضاعفة الغمّ والكرب عليها. ويكون ذلك على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم اشدد وطأتك على مضر»«١» أي غلّظ عليهم عقابك، وضاعف عليهم عذابك.
وقوله سبحانه: وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وهذه استعارة. وقد أومأنا الى مثلها فيما تقدّم. والمراد بها: استقم على دينك، واثبت على طريقك. وخصّ الوجه بالذكر، لأنه به يعرّف توجّه الجملة نحو الجهة المقصودة، وقد يجوز أن يكون المراد بذلك، والله أعلم، أقم وجهك أي قوّمه نحو القبلة التي هي الكعبة.
مستمرّا على لزومها، وغير منحرف عن جهتها.
(١) . هذا الحديث في مسند ابن حنبل ج ١٢ ص ٢٥٠ بتحقيق المحدّث الجليل الشيخ أحمد محمد شاكر. وقد ذكر الشيخ أن إسناده صحيح. وقد رواه ابن سعد في الطبقات، ورواه مسلم والبخاري في صحيحيهما. ونص الحديث في المسند: (لما رفع النبي (ص) رأسه من الركعة الاخيرة من صلاة الصبح، قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكّة. اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف) .