وهناك عين الله التي ترى وتعلم السر وأخفى، وهذا ظلم وعدوان، وإنه لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) .
ولكن المرأة كانت قد صمّت أذنيها عن سماع كل موعظة، وأغمضت عينيها عن رؤية الحق، ولم يبق في ذهنها إلا فكرة واحدة في مكان.. في رجل.. فهمّت به صائلة عليه لتنتقم لنفسها وكرامتها، أو لترغمه على طاعتها، وهمّ بها ليضربها أو يقتلها دفاعا عن الفضيلة والشرف، ولكن الله ألهمه أن الفرار خير من القتال، والمسالمة خير من المواثبة، وفتحت الأبواب أمامه فأسرع هاربا منها، ولكنها عدت وراءه، طمعا في تنفيذ رغبتها، أو خوفا من افتضاح أمرها.
ونتيجة جذبها له لترده عن الباب، وقعت مفاجأة، فقد كان العزيز يمرّ في تلك اللحظة، فرأى يوسف واقفا وقميصه ممزّقا، وكان موقفا يبعث على الرّيبة ويثير الاتهام، فاتهمت المرأة يوسف، بأنه راودها عن نفسها وهجم عليها في مخدعها، ولا بدّ من سجنه، أو إذاقته مرّ العذاب.
ولم يجد يوسف بدّا من وصف الواقع وإيضاحه، فقال هي التي راودتني عن نفسي وجذبتني من ثوبي، وهذا قميصي شاهد على صدقي، وأمام تضارب الأقوال، استدعى الملك ابن عمها وكبير أسرتها، وكان فطنا لبيبا، فسمع القضية من أطرافها، وفطن لما وراء قصّتها فقال: إن كان قميصه قدّ من الأمام فذلك إذا من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها، فهي صادقة وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من الخلف، فهو إذا من أثر هروبه منها، ومطاردتها له حتى الباب، فهي كاذبة وهو من الصادقين.
فلما رأى الملك بعينه أن القميص قد مزّق من الخلف، وضح الحق وظهرت براءة يوسف أمامه، والتفت العزيز إلى امرأته وقال: إنّ هذا من كيد النساء ومكرهنّ، فاستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين، وأنت يا يوسف أمسك لسانك عن الخوض في هذا الحديث، واكتم أمره عن الناس أجمعين.