للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللغوية التاريخية، فنسرد أقوال المفسّرين، واللغويين الأقدمين، كما جاء بها الزّمخشري في «الكشاف» ، ثم نعقّب القول فيها، وما يبدو لنا من هذه المواد التاريخية.

قال الزمخشري «١» : التاء في «يا أبت» ، تاء تأنيث وقعت عوضا من ياء الإضافة، والدليل على أنها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف.

فإن قلت: كيف جاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكّر؟ قلت: كما جاز نحو قولك: حمامة ذكر، وشاة ذكر، ورجل ربعة، وغلام يفعة. فإن قلت:

فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟

قلت: لأن تاء التأنيث والإضافة يتناسبان، في أنّ كلّ واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره.

فإن قلت: فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء، وتبقى التاء ساكنة؟

قلت: امتنع ذلك فيها، لأنّها اسم، والأسماء حقّها التحريك لأصالتها في الإعراب، وإنّما جاز تسكين الياء، وأصلها أن تحرّك تخفيفا، لأنها حرف لين. وأما التاء، فحرف صحيح نحو كاف الضمير، فلزم تحريكها.

فإن قلت: يشبه الجمع بين التاء وبين هذه الكسرة، الجمع بين العوض والمعوّض منه، لأنها في حكم الياء، إذا قلت: يا غلام، فكما لا يجوز «يا أبتي» لا يجوز «يا أبت» .

قلت: الياء والكسرة قبلهما شيئان، والتاء عوض من أحد الشيئين وهو الياء، والكسرة غير متعرّض لها، فلا يجمع بين العوض والمعوض منه، إلّا إذا جمع بين التاء والياء لا غير. ألا ترى إلى قولهم: «يا أبتا» مع كون الألف فيه بدلا من التاء، كيف جاز الجمع بينها وبين التاء، ولم يعدّ ذلك جمعا بين العوض والمعوّض منه، فالكسرة أبعد من ذلك.

فإن قلت: فقد دلّت الكسرة في يا «غلام» على الإضافة، لأنّها قرينة الياء ولصيقتها.

فإن دلّت على مثل ذلك في: «يا أبت» ، فالتاء المعوّضة لغو، وجودها كعدمها. قلت: بل حالها مع التاء


(١) . «الكشاف» : ٢/ ٤٤٢- ٤٤٣.