وكرهه إسحاق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «مكة حرام بيع رباعها، حرام إجارتها» رواه سعيد بن منصور، كسائر الأرض التي فتحها المسلمون عنوة، ولم يقسموها والدليل على أن مكة فتحت عنوة، قوله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار» متفق عليه. ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلّم، بقتل أربعة، فقتل منهم ابن خطل، ومقيس بن صبابة، وهذا يدل على أنها فتحت عنوة. والرواية الثانية، أنه يجوز بيع رباعها، وإجارة بيوتها. روي ذلك عن طاوس وعمرو بن دينار وهذا قول الشافعي وابن المنذر. وهو أظهر في الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لما قيل له: أين ننزل غدا؟ قال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع؟» متفق عليه يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب، لأنه ورثه دون إخوته، لكونه كان على دينه دونهما، فلو كانت غير مملوكة، لما أثر بيع عقيل شيئا، ولأن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم كانت لهم دور بمكة لأبي بكر، والزبير، وحكيم، فمنهم من باع ومنهم من ترك داره، فهي في يد أعقابهم ولم يزل أهل مكة يتصرفون في دورهم تصرف الملاك بالبيع وغيره، ولم ينكره منكر، فكان إجماعا. وكونها فتحت عنوة، الصحيح الذي لا يمكن دفعه إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم أقر أهلها فيها على أملاكهم ورباعهم. وعلى القول الأول: إن سكن بأجرة فأمكنه أن لا يدفع إليهم الأجرة، جاز له ذلك وقد روي أن سفيان سكن في بعض رباع مكة، وهرب، ولم يعطهم أجرة فأدركوه فأخذوها منه. وذكر لأحمد فعل سفيان، فتبسم، فظاهر هذا، أنه أعجبه. قال ابن عقيل: والخلاف في غير مواضع المناسك، أما بقاع المناسك كموضع السعي والرمي فحكمه حكم المساجد، بغير خلاف.