للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً فيه قولان: أحدهما: طريق التوكُّل عليه والتفويض إِليه، وهذا على القول الأول. والثاني: يَزيدكم هُدىً بالتصديق بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به من وعد الله تعالى بالفتح والغنيمة.

قوله تعالى: وَأُخْرى المعنى: وعدكم الله مَغانمَ أُخرى وفيها أربعة أقوال: أحدها: أنها ما فُتح للمسلمين بعد ذلك. روى سماك الحنفي عن ابن عباس: «وأُخرى لَمْ تَقْدِروا عليها» قال: ما فتح لكم من هذه الفتوح، وبه قال مجاهد. والثاني: أنها خيبر، رواه عطية، والضحاك عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد. والثالث: فارس والروم، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الحسن، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. والرابع: مكة، ذكره قتادة، وابن قتيبة. قوله تعالى: قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها فيه قولان:

أحدهما: أحاط بها عِلْماً أنها ستكون من فُتوحكم. والثاني: حَفِظها لكم ومَنَعها من غيركم حتى فتحتموها. قوله تعالى: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا هذا خطاب لأهل الحديبية، قاله قتادة والذين كفروا مشركو قريش. فعلى هذا يكون المعنى: لو قاتلوكم يومَ الحديبية لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ لِما في قلوبهم من الرُّعب ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا لأنّ الله قد خذلهم. قال الزجاج: المعنى: لو قاتلك من لم يقاتِلْك لنُصِرْتَ عليه، لأن سُنَّة الله النُّصرةُ لأوليائه. و «سُنَّةَ الله» منصوبة على المصدر، لأن قوله: «لولَّوُا الأدبار» معناه: سنّ الله عزّ وجلّ خِذلانهم سُنَّةً. وقد مَرَّ مِثْلُ هذا في قوله: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «١» ، وقوله: صُنْعَ اللَّهِ «٢» . قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ.

(١٢٩٣) روى أنس بن مالك أن ثمانين رجلاً من أهل مكّة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جبل التنعيم متسلِّحين يريدون غِرَّة «٣» النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابِه، فأخذهم سِلْماً، فاستحياهم، وأنزل الله هذه الآية.

(١٢٩٤) وروى عبد الله بن مغفَّل قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية في أصل الشجرة، فبينا نحن كذلك إِذ خرج علينا ثلاثون شابّاً، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل جئتم في عهد؟» أو «هل جعل لكم أحد أماناً؟» قالوا: اللهم لا، فخلَّى سبيلهم، ونزلت هذه الآية.


صحيح. أخرجه مسلم ١٨٠٨ عن عمر بن محمد الناقد ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن أبي سلمة عن ثابت- وهو ابن أسلم البناني- عن أنس بن مالك به. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ١٤٢ من طريق إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود ٢٦٨٨ والترمذي ٣٢٦٤ والنسائي في «التفسير» ٥٣٠ والطبري ٣١٥٥٨ وأحمد ٣/ ١٢٤ و ٢٩٠ والطحاوي في «المشكل» ٦٠ والبيهقي في «الدلائل» ٤/ ٤١ من طرق عن حمّاد بن سلمة به. وورد بنحوه في أثناء حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم ١٨٠٧ وأحمد ٤/ ٤٩ والطحاوي ٦٢.
صحيح. أخرجه النسائي في «التفسير» ٥٣١ وأحمد ٤/ ٨٦- ٨٧ والحاكم ٢/ ٤٦٠- والطبري ٣١٥٥٤ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ١٤٢ والبيهقي ٦/ ٣١٩ من طرق عن الحسين بن واقد عن ثابت عن عبد الله بن المغفل به. وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في «المجمع» ٦/ ١٤٥: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وهو كما قالوا. وقال ابن حجر في «فتح الباري» ٥/ ٣٥١: أخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>