بعبادتك، قاله ابن عباس، وعطاء. وقرأ يحيى بن يعمر، وابن مسعود، وأبو عمران، وابن أبي عبلة «سبخاً» بالخاء المعجمة. قال الزجاج: ومعناها في اللغة صحيح. يقال سبخت القطن بمعنى نفشته.
ومعنى نَفَّشته: وسَّعته، فيكون المعنى: إن لك في النهار توسُّعاً طويلا.
قوله عزّ وجلّ: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ أي: بالنهار أيضاً وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال مجاهد: أخلص له إخلاصاً. وقال ابن قتيبة: انقطع إليه، من قولك: بَتَّلُت الشيء: إذا قطعتَه. وقال الزجاج: انقطع إِليه في العبادة. ومنه قيل لمريم: البتول، لأنها انقطعت إلى الله عزّ وجلّ في العبادة. وكذلك صدقة بتلة:
منقطعة من مال المصّدّق. والأصل في مصدر تبتّل تبتيلا. وإنما قوله عزّ وجلّ «تبتيلاً» محمول على معنى: تبتّل، رَبُّ الْمَشْرِقِ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم «ربُّ» بالرفع. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بالخفض. وما بعد هذا قد سبق إلى قوله عزّ وجلّ: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من التكذيب لك والأذى وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا لا جزع فيه. وهذه الآية عند المفسرين منسوخة بآية السيف، وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أي: لا تهتمَّ بهم، فأنا أكفيكهم أُولِي النَّعْمَةِ يعني: التَّنَعُّم.
وفيمن عُني بهذا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم المطعِمُون بِبَدْرٍ، قاله مقاتل بن حيان. والثاني: أنهم بنو المغيرة بن عبد الله، قاله مقاتل بن سليمان. والثالث: أنه المستهزئون، وهم صناديد قريش، حكاه الثعلبي.
قوله عزّ وجلّ: وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا قالت عائشة: فلم يكن إلا اليسير حتى كانت وقعة بدر، وذهب بعض المفسرين إِلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، وليس بصحيح.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وهي القيود، واحدها: نكل. وقد شرحنا معنى «الجحيم» في البقرة «١» وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وهو الذي لا يسوغ في الحلق. وفيه للمفسرين أربعة أقوال:
أحدها: أنه شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج، قاله ابن عباس، وعكرمة. والثاني: الزَّقُّوم، قاله مقاتل. والثالث: الضَّريع، قاله الزجاج. والرابع: الزَّقُّوم والغِسْلين والضَّريع، حكاه الثّعلبيّ.
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ قال الزجاج: هو منصوب بقوله عزّ وجلّ: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا والمعنى: ينكِّل الكافرين ويعذِّبهم يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ أي: تُزَلزَل وتُحَرَّك أغلظ حركة.
قوله عزّ وجلّ: وَكانَتِ الْجِبالُ قال مقاتل: المعنى: وصارت بعد الشدة، والقوة كَثِيباً قال الفراء: «الكثيب» : الرمل. و «المهيل» : الذي تحرّك أسفله، فينهال عليك من أعلاه. والعرب تقول:
مهيل ومهيول، ومكيل ومكيول. وقال الزجاج: الكثيب جمعه: كثبان، وهي: القطع العظام من الرمل.
والمهيل: السائل.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ يعني أهل مكة رَسُولًا يعني: محمّدا صلّى الله عليه وسلم شاهِداً عَلَيْكُمْ بالتبليغ وإِيمان من آمن، وكفر من كفر وعصى كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا وهو موسى عليه السلام.
والوبيل: الشديد. قال ابن قتيبة: هو من قولك: استوبلت إذا استوخمته المكان ويقال: كلأ مستوبل
(١) البقرة: ١١٩.