(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٣٠٣: وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح. قال: وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لأن ذلك في سياق آيات تقدم فيهن أمر الله بنيه بالجدّ في الدعاء إليه، والصبر على ما يلقى من الأذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن تكون من غيرها. وقال ابن العربي رحمه الله في «الأحكام» ٤/ ٢٤٢: وأما من قال: أراد به العمل، أي لا تستكثر به على ربك فهو صحيح، فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر. وأما قوله: «لا تعط عطيَّة تلتمس بها أفضل منها» فهذا لا يليق بالنبي صلّى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم: ٣٩] . وقد روي عن عائشة: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها. وفي الحديث: «لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت» . قلت: صحيح. أخرجه البخاري ٢٥٦٨ و ٥١٧٨ وأحمد ٢/ ٤٢٤ وابن حبان ٥٢٩١ من حديث أبي هريرة وأخرجه الترمذي ١٣٣٨ وصححه ابن حبان ٩٢٩٢ من حديث أنس، وفي الباب من حديث ابن عمر أخرجه البخاري ٥١٧٩ ومسلم ١٤٢٩ وغيرهما. ومعنى الكراع: مستدق الساق من الرجل. قال ابن العربي: وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب، لأنها باب من أبواب المذلة. وكذلك قول من قال: إن معناه لا تعط عطية تنتظر ثوابها، فإن الانتظار تعلق بالأطماع. وذلك في حيزه بحكم الامتناع.