للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالثياب، لأنها تشتمل عليه. قالت ليلى الأخيلية وذَكَرَتْ إبلاً:

رَمَوْها بأثواب خِفَافٍ فلا ترى ... لَهَا شَبَهَاً إلا النَّعَام المُنَفَّرا

أي: ركبوها، فَرَمَوْها بأنفسهم! والعرب تقول للعفاف: إزارٌ، لأن العفيف كأنه استتر لما عَفَّ.

والرابع: وعَمَلَكَ فأصلح، قاله الضّحّاك. الخامس: خُلُقَكَ فَحَسِّنْ، قاله الحسن، والقرظي.

والسادس: وَثِيَابَك فقصّر وشمّر، قاله طاوس. والسابع: قَلْبَكَ فَطَهِّرْ، قاله سعيد بن جبير. ويشهد له قول امرئ القيس.

فإن تك قَدْ سَاءَتْكِ مِني خَلِيقَةٌ ... فَسُلِّي ثِيابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ

أي: قلبي من قلبك.

والثامن: اغسل ثيابك بالماء، ونقِّها، قاله ابن سيرين، وابن زيد.

قوله عزّ وجلّ: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، وعاصم إلّا أبا بكر، ويعقوب، وابن محيصن، وابن السميفع «والرُّجزَ» بضم الراء. والباقون بكسرها. ولم يختلفوا في غير هذا الموضع. قال الزجاج: ومعنى القراءتين واحد. وقال أبو علي: قراءة الحسن بالضم، وقال: هو اسم صنم. وقال قتادة: صنمان: إساف، ونائلة. ومن كسر، الرّجز: العذاب. فالمعنى: ذو العذاب فاهجر.

وفي معنى: «الرّجز» للمفسّرين فيه ستة أَقوال «١» : أحدها: أنه الأصنام، والأوثان، قاله ابن عباس. ومجاهد، وعكرمة وقتادة، والزهري، والسدي، وابن زيد. والثاني: أنه الإثم، روي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: الشرك، قاله ابن جبير، والضحاك. والرابع: الذنب، قاله الحسن. والخامس:

العذاب، قاله ابن السائب. قال الزجاج: الرجزُ في اللغة: العذاب، ومعنى الآية: اهجر ما يؤدِّي إلى عذاب الله. والسادس: الشيطان، قاله ابن كيسان.

قوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ فيه أربعة أقوال «٢» : أحدها: لا تعط عطيَّة تلتمس بها أفضل منها، قاله


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٢١: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ على كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك، كقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ، وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ.
(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٣٠٣: وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح. قال: وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لأن ذلك في سياق آيات تقدم فيهن أمر الله بنيه بالجدّ في الدعاء إليه، والصبر على ما يلقى من الأذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن تكون من غيرها.
وقال ابن العربي رحمه الله في «الأحكام» ٤/ ٢٤٢: وأما من قال: أراد به العمل، أي لا تستكثر به على ربك فهو صحيح، فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر.
وأما قوله: «لا تعط عطيَّة تلتمس بها أفضل منها» فهذا لا يليق بالنبي صلّى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم: ٣٩] . وقد روي عن عائشة: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها. وفي الحديث: «لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت» . قلت: صحيح.
أخرجه البخاري ٢٥٦٨ و ٥١٧٨ وأحمد ٢/ ٤٢٤ وابن حبان ٥٢٩١ من حديث أبي هريرة وأخرجه الترمذي ١٣٣٨ وصححه ابن حبان ٩٢٩٢ من حديث أنس، وفي الباب من حديث ابن عمر أخرجه البخاري ٥١٧٩ ومسلم ١٤٢٩ وغيرهما. ومعنى الكراع: مستدق الساق من الرجل.
قال ابن العربي: وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب، لأنها باب من أبواب المذلة. وكذلك قول من قال: إن معناه لا تعط عطية تنتظر ثوابها، فإن الانتظار تعلق بالأطماع. وذلك في حيزه بحكم الامتناع.

<<  <  ج: ص:  >  >>