للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية تضمنت مدحهم على إطعام الأسير المشرك.

قال: وهذا منسوخ بآية السيف. وليس هذا القول بشيء، فإن في إطعام الأسير المشرك ثواباً، وهذا محمول على صدقة التطوع. فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفَّار، ذكره القاضي أبو يعلى.

قوله عزّ وجلّ: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ أي: لطلب ثواب الله. قال مجاهد، وابن جبير: أما إنهم ما تكلموا بهذا، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم لِيَرْغَبَ في ذلك راغب.

قوله عزّ وجلّ: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً أي: بالفعل وَلا شُكُوراً بالقول إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً أي: ما في يوم عَبُوساً قال ابن قتيبة: أي: تعبس فيه الوجوه، فجعله من صفة اليوم، كقوله عزّ وجلّ: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ «١» ، أراد: عاصف الريح: فأما «القمطرير» فروى ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: أنه الطويل. وروى عنه العوفي أنه قال: هو الذي يقبّض فيه الرجل ما بين عينيه ووجهه. فعلى هذا يكون اليوم موصوفاً بما يجري فيه، كما قلنا في «العبوس» لأن اليوم لا يوصف بتقبيض ما بين العينين. وقال مجاهد، وقتادة: «القمطرير» الذي يقلِّص الوجوه، ويقبض الحياة، وما بين الأعين من شدته. وقال الفراء: هو الشديد. يقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر، وأنشدني بعضهم.

بَنِي عَمِّنَا هَلْ تَذْكُرونَ بَلاَءَنَا ... عليكُم إذا ما كان يَوْمٌ قُماطِرُ

وقال أبو عبيدة: العبوس، والقمطرير، والقماطر، والعَصِيب، والعَصَبْصَب: أشد ما يكون من الأيام، وأطوله في البلاء.

قوله عزّ وجلّ: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ بطاعتهم في الدنيا وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً أي: حُسْنَاً وبياضاً في الوجوه، وَسُرُوراً لا انقطاع له. وقال الحسن: النَّضْرة في الوجوه والسُّرُور في القلوب وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا على طاعته، وعن معصيته جَنَّةً وَحَرِيراً وهو لباس أهل الجنة مُتَّكِئِينَ فِيها قال الزجاج: هو منصوب على الحال، أي: جزاهم جنة في حال اتكائهم فيها. وقد شرحنا هذا في الكهف «٢» .

قوله عزّ وجلّ: لاَ يَرَوْنَ فِيها شَمْساً فيُؤذيهم حَرُّها وَلا زَمْهَرِيراً وهو البرد الشديد. والمعنى: لا يجدون فيها الحَرَّ والبرد. وحكي عن ثعلب أنه قال: الزمهرير: القمر، وأنشد:

وَلَيْلَةٍ ظَلاَمُهَا قَد اعْتَكَرْ ... قَطَعْتُهَا وَالزّمْهَريرُ مَا زَهَر

أي: لم يطلع القمر.

قوله عزّ وجلّ: وَدانِيَةً قال الفراء: المعنى: وجزاهم جنة، ودانيةً عليهم ظلالها، أي: قريبة منهم ظلال أشجارها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا قال ابن عباس: إِذا هَمَّ أن يتناول من ثمارها تَدَلَّتْ إليه حتى يتناولَ ما يريد. وقال غيره: قُرِّبَتْ إليهم مُذَلَّلة كيف شاؤوا، فهم يتناولونها قياماً، وقعودا، ومضطجعين، فهو كقوله عزّ وجلّ: قُطُوفُها دانِيَةٌ «٣» . فأمّا «الأكواب» فقد شرحناها في (الزّخرف) «٤» قوله: كانَتْ قَوارِيرَا أي: تلك الأكواب هي قوارير، ولكنها من فضة. قال ابن عباس: لو ضَرَبْتَ فضةَ الدنيا حتى جعلتَها مثل جناح الذباب، لم يُرَ الماء من ورائها، وقوارير الجنة من فضة في صفاء


(١) إبراهيم: ١٨.
(٢) الكهف: ٣١.
(٣) الحاقة: ٢٣.
(٤) الزخرف: ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>