للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القارورة. وقال الفراء. وابن قتيبة: هذا على التشبيه، المعنى: كأنها من فضة، أي: لها بياض كبياض الفضة وصفاء كصفاء القوارير. وكان نافع، والكسائيّ، وأبو بكر عن عاصم يقرءون «قواريراً قواريراً» فَيَصِلُونَهما جميعاً بالتنوين. ويقفون عليهما بالألف. وكان ابن عامر وحمزة يَصِلاَنِهما جميعاً بغير تنوين، ويقفان عليهما بغير ألف. وكان ابن كثير يصل الأول بالتنوين، ويقف بغير ألف. ويصل الثاني بغير تنوين وروى حفص عن عاصم أنه كان يقرأ «سلاسل» و «قوارير قوارير» يَصِلُ الثلاثة بغير تنوين، ويقف على الثلاثة بالألف. وكان أبو عمرو يقرأ الأول «قواريرا» فيقف عليه بألف، ويصل بغير تنوين.

وقال الزجاج: الاختيار عند النّحويين أن لا تنصرف «قوارير» لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان لا ينصرف. ومن قرأ «قواريرا» يصرف الأول لأنّه رأس آية، ويترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية. ومن صرف الثاني: أتبع اللفظ اللفظ، لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء لتُتْبِعَ اللفظ اللفظ، كما قالوا:

جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. وإِنما الخَرِبُ من نعت الجحر.

قوله عزّ وجلّ: قَدَّرُوها تَقْدِيراً وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عمران، والجحدري، وابن يعمر «قُدِّروها» برفع القاف، وكسر الدال، وتشديدها. وقرأ حميد، وعمرو بن دينار «قَدَرُوها» بفتح القاف، والدال، وتخفيفها. ثم في معنى الآية قولان: أحدهما: قَدَّرُوها في أنفسهم، فجاءت على ما قَدَّرُوا، قاله الحسن. وقال الزجاج: جعل الإناء على قَدْر ما يحتاجون إليه ويريدونه على تقديرهم. والثاني: قَدَّروها على مقدارٍ لا يزيد ولا ينقص، قاله مجاهد. وقال غيره: قدروا الكأس على قَدْر رِيِّهم، لا يزيد عن رِيِّهم فيُثْقِلُ الكفَّ، ولا ينقص منه فيطلب الزيادة، وهذا ألذُّ الشراب. فعلى هذا القول يكون الضمير في «قدَّروا» للسقاة والخدم. وعلى الأول للشاربين.

قوله عزّ وجلّ: وَيُسْقَوْنَ فِيها يعني في الجنة كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا والعرب تضرب المثل بالزنجبيل والخمر ممزوجين. قال المسيّب يصف فم امرأة:

فَكَأَنَّ طَعْمَ الزَّنْجَبيل بِهِ ... إذْ ذُقْتَهُ وَسُلاَفَةُ الخَمْرِ «١»

وقال آخر:

كَأَنَّ القرنفل والزّنجبيل ... باتا بِفِيها وأرْيَاً مُشَاراً «٢»

الأَرْي: العسل. والمشار: المستخرج من بيوت النّحل. قال مجاهد: الزّنجبيل: اسم العين التي منها شراب الأبرار. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: الزنجبيل معرّب. قال: وقال الدِّيْنَوَرِي: يَنْبُتُ في أرياف عُمَان، وهي عروق تسري في الأرض، وليس بشجرة تؤكل رُطَباً، وأجود ما يحمل من بلاد الصين. قال الزجاج: وجائز أن يكون فيها طعم الزنجبيل، والكلام فيه كالكلام السابق في الكافور. وقيل: شراب الجنّة على بردِ الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك.

قوله عزّ وجلّ: عَيْناً فِيها قال الزجاج: يسقون عيناً. وسلسبيل: اسم العين، إلا أنه صرف لأنه رأس آية. وهو في اللغة: صفة لما كان في غاية السلاسة. فكأن العين وصفت وسميت بصفتها. وقرأت


(١) هو في آخر ديوان الأعشى ابن أخت المسيب بن علس.
(٢) البيت في ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>