للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: قوله عزّ وجلّ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا قيل: هو اسم أعجمي نَكِرَة، فلذلك يصرف. وقيل: هو اسم معرفة، إلا أنه أُجْرِيَ، لأنه رأس آية. وعن مجاهد قال: حديدة الجرية. وقيل: سلسبيل: سلس ماؤها، مستفيد لهم. وقال ابن الأنباري: السّلسبيل صفة الماء، لِسَلَسِهِ وسهولة مدخله في الحلق. يقال: شراب سَلْسَل، وسَلْسال، وسَلْسَبِيل. وحكى الماوردي: أن عليّاً عليه السلام قال: المعنى: سَلْ سَبِيلاً إليها، ولا يصح.

قوله عزّ وجلّ: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ قد سبق بيانه «١» إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً أي: في بياض اللؤلؤ وحسنه، واللؤلؤ إذا انتثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظوما. وإنما شُبِّهوا باللؤلؤ المنثور، لانتشارهم في الخدمة. ولو كانوا صفّا لشبّهوه بالمنظوم. قوله: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ يعني:

الجنة رَأَيْتَ نَعِيماً لا يوصف وَمُلْكاً كَبِيراً أي: عظيماً واسعاً لا يريدون شيئاً إِلا قدَروا عليه، ولا يدخل عليهم ملَك إلّا باستئذان.

قوله عزّ وجلّ: عالِيَهُمْ قرأ أهل المدينة، وحمزة، والمفضل عن عاصم بإسكان الياء، وكسر الهاء. وقرأ الباقون بفتح الياء، إلا أن الجعفي عن أبي بكر قرأ «عَالِيَتُهُم» بزيادة تاء مضمومة. وقرأ أنس بن مالك، ومجاهد وقتادة «عَلَيْهِم» بفتح اللام، وإسكان الياء من غير تاءٍ، ولا ألف.

قال الزجاج: فأما تفسير إعراب «عالِيْهم» بإسكان الياء، فيكون رفعه بالابتداء، ويكون الخبر ثِيابُ سُندُسٍ وأما «عَالِيَهم» بفتح الياء، فنصبه على الحال من شيئين، أحدهما من الهاء والميم، والمعنى: يطوف على الأبرار وِلْدَانٌ مُخَلَّدُون عالي الأبرار ثياب سندس، لأنه قد وصف أحوالهم في الجنة، فيكون المعنى: يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء. ويجوز أن يكون حالاً من الوِلْدان.

المعنى: إذا رأيتَهم حَسِبْتَهم لؤلؤاً منثوراً في حال عُلُوِّ الثياب. وأمّا «عاليهم» فقد قرئت بالرفع وبالنصب، وهما وجهان جَيِّدان في العربية، إلا أنهما يخالفان المصحف، فلا أرى القراءة بهما، وتفسيرها كتفسير «عاليهم» .

قوله عزّ وجلّ: ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ قرأ ابن عامر، وأبو عمرو، «خضر» رفعا «وإِسْتَبْرقٍ» خفضاً.

وقرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم «خُضْرٍ» خفضاً «وإستبرقٌ» رفعا. وقرأ نافع، وحفص عن عاصم «خُضْرٌ وإستبرقٌ» كلاهما بالرفع. وقرأ حمزة، والكسائي «خضْرٍ وإسْتَبْرقٍ» كلاهما بالخفض. قال الزجاج: من قرأ خُضْرٌ بالرفع، فهو نعت الثياب، ولفظ الثياب لفظ الجمع، من قرأ «خُضْرٍ» فهو من نعت السندس، والسندسُ في المعنى راجع إلى الثياب. ومن قرأ «وإستبرق» رفعا فهو نسق على «ثياب» والمعنى: عليهم إستبرق. ومن خفض عطفه على السندس، فيكون المعنى: عليهم ثياب من هذين النوعين وقد بَيّنَّا في الكهف «٢» معنى السندس، والإستبرق والأساور.

قوله عزّ وجلّ: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً فيه قولان: أحدهما: لا يُحْدِثون ولا يَبُولُون عن شُرْب خَمْر الجَنَّة. قاله عطية. والثاني: لأن خمر الجنة طاهرةٌ، وليست بنجسةٍ كخمرِ الدنيا، قاله الفراء: وقال أبو قلابة: يُؤْتَوْنَ بعد الطَعام بالشَّرابِ الطَّهورِ فيشربون فَتَضْمُر بذلك بُطونُهم، ويفيض من


(١) الواقعة: ١٧.
(٢) الكهف: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>