عُتُوَّاً على الله تعالى فأمر بصنع «إرم ذات العماد» فأمَّر على عملها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدُّوه بما في بلادهم من الجواهر، فخرج القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا ما يوافقه حتى وقعوا على صحراء عظيمة نقية من التلال، وإذا هم بعيون مطّردة فقالوا:
هذه صفة الأرض التي أمر الملك أن يبنى بها، فوضعوا أساسها من الجزع اليماني، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة، فلما أتوه وقد فرغوا منها قال: انطلقوا، واجعلوا عليها حصناً، واجعلوا حول الحصن ألف قصر، عند كل قصر ألف علم يكون في كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائي، ففعلوا، فأمر الوزراء- وهم ألف وزير- أن يتهيؤوا للنقلة إلى «إرم ذات العماد» ، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين، ثم ساروا إليها، فلما كانوا منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه، وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعاً، ولم يَبْقَ منهم أحد.
وروى الشعبي عن دَغْفَل الشيباني عن علماء حِمْيَر قالوا: لما هلك شدّاد بن عاد ومن معه من الصيحة، ملَكَ بعده ابنه مَرْثَد بن شَدَّاد، وقد كان أبوه خلَّفه بحضرموت على ملكه وسلطانه، فأمر بحمل أبيه من تلك المفازة إلى حضرموت، وأمر بدفنه فحفرت له حفيرة في مغارة، فاستودعه فيها على سرير من ذهب، وألقى عليه سبعين حُلَّةً منسوجة بقضبان الذهب، ووضع عند رأسه لوحاً عظيماً من ذهب وكتب عليه:
اعتبر يا أيّها المغرور ... بالعمرِ المديدِ
أنا شَدَّادُ بنُ عادٍ ... صاحبُ الحصن المشيد
وأخو القوّة والبأساء ... والملك الحشيد
دان أهل الأرض لي ... من خوف وعدي ووعيدي
وملكت الشرق والغرب ... بسلطان شديد
وبفضل الملك والعدّة ... فيه والعديدِ
فأتى هود وكنَّا ... في ضلال قبل هود
فدعانا لو قبلناه ... إلى الأمر الرشيدِ
فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد
فأتتنا صيحة تهوي ... من الأفق البعيدِ
فتوافينا كزرعٍ ... وسط بيداء حصيد
قوله عزّ وجلّ: وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ أي قطعوه ونقبوه. قال ابن إسحاق: والوادي: وادي القرى. وقرأ الحسن: «بالوادي» بإثبات الياء في الحالين وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ مفسر في سورة ص «١» الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ يعني: عاداً، وثمود، وفرعون، عملوا بالمعاصي، وتجبَّروا على أنبياء الله فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ القتل والمعاصي فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ قال ابن قتيبة: وإنما قال: سوط عذاب، لأن التعذيب قد يكون بالسوط، وقال الزجاج: أي جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب.
(١) ص: ١٢.