للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء في التفسير صفات تلك المدينة. وهذه الإشارة إلى ذلك.

(١٥٣٢) روى وهب بن منبه عن عبد الله بن قِلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت، فبينما هو في صحارى عدن وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، وحول الحصن قصور كثيرة. فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله، فلم ير خارجاً ولا داخلاً، فنزل عن دابته، وعقلها، وسلَّ سيفه، ودخل من باب الحصن، فلما دخل الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم منهما والبابان مُرصَّعان بالياقوت الأبيض والأحمر، فلما رأى ذلك دهش ففتح أحد البابين، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها، وإذا قصور، كلّ قصر منها فيه غرف وفوق الغرف غرف مبنيَّة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت.

ومصاريع تلك الغرف مثل مصاريع المدينة، يقابل بعضها بعضاً، مفروشة كلها باللؤلؤ، وبنادق من مسك وزعفران. فلما عاين ذلك، ولم ير أحداً، هَالَه ذلك، ثم نظر إلى الأزقة فإذا هو في كل زقاق منها شجر قد أثمر، وتحت الشجر أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة. فقال الرجل: إن هذه هي الجنة، فحمل معه من لؤلؤها، ومن بنادق المسك والزعفران ورجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه.

وبلغ الأمر إلى معاوية، فأرسل إليه. فقص عليه ما رأى، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار، فلما أتاه قال له: يا أبا إسحاق: هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة؟ قال: نعم أخبرك بها وبمن بناها؟ إنما بناها شداد بن عاد، والمدينة: «إرم ذات العماد» ، قال: فحدثني حديثها، فقال: إن عادا المنسوب إليه عاد الأولى، كان له ولدان: شديد، وشداد. فلما مات ملكا بعده، ثم مات شديد وبقي شدّاد، فملك الأرض، ودانت له الملوك، وكان مولعاً بقراءة الكتب، فكان إذا مر بذكر الجنة دعته نفسه إلى بناء مثلها


قال الحافظ في «تخريجه» ٤/ ٧٤٨: أخرجه الثعلبي من طريق عثمان الدارمي عن عبد الله بن أبي صالح عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن وهب بن منبه عن عبد الله بن قِلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فذكره مطوّلا. قال الحافظ: آثار الوضع لائحة عليه! وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٠٢: وقد ذكر ابن أبي حاتم قصة (إرم ذات العماد) هاهنا مطوّلة جدا، فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صح إلى ذلك الإعرابي فقد يكون قد اختلق ذلك، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج، وليس كذلك، وهذا مما يقطع بعدم صحته، وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض فيها قناطر الذهب والفضة، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء، فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير ونحو ذلك من الهذيانات، ويطنزون بهم، والذي نجزم به أن في الأرض دفائن جاهلية وإسلامية، وكنوزا كثيرة، من ظفر بشيء منها أمكنه تحويله، فأما على الصفة التي زعموها، فكذب وافتراء وبهت، ولم يصح في ذلك شيء مما يقولون إلا عن نقلهم أو نقل من أخذ عنهم، والله سبحانه الهادي للصواب.
وقال الشوكاني رحمه الله في «فتح القدير» ٤/ ٥٣٠: وهذا كذب على كذب وافتراء، وقد أصيب الإسلام وأهله بداهية دهياء، وفاقرة عظمى، ورزية كبرى من أمثال هؤلاء الكذابين الدجالين الذين يجترءون على الكذب، تارة على بني إسرائيل، وتارة على الأنبياء وتارة على الصالحين، وتارة على رب العالمين، وتضاعف هذا الشر وزاد كثرة بتصدر جماعة من الذين لا علم لهم بصحيح الرواية من ضعيفها من موضوعها للتصنيف والتفسير للكتاب العزيز، فأدخلوا هذه الخرافات المختلفة والأقاصيص المخولة والأساطير المفتعلة في تفسير كتاب الله سبحانه، فحرفوا وبدلوا وغيروا، وقال: ومن أراد أن يقف على بعض ما ذكرنا فلينظر في كتاب الذي سميته «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» . اه. قلت: هو كتاب مطبوع متداول، وعمدة هذا الكتاب «موضوعات ابن الجوزي» و «اللآلئ المصنوعة» للسيوطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>