للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجْرَ «إرم» لأنها اسم بلدة ثم فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها دمشق، قاله سعيد بن المسيب، وعكرمة، وخالد الرَّبَعِي. والثاني: الإسكندرية، قاله محمد بن كعب. والثالث: أنها مدينة صنعها شداد بن عاد، وهذا قول كعب. وسيأتي ذكره إن شاء الله.

والقول الثاني: أنه اسم أمة من الأمم، ومعناه: القديمة، قاله مجاهد. والثالث: أنه قبيلة من قوم عاد، قاله قتادة ومقاتل. قال الزجاج: وإنما لم تنصرف «إرم» لأنها جعلت اسماً للقبيلة ففتحت، وهي في موضع خفض. والرابع: أنه اسم لجَدِّ عادٍ، لأنه عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، قاله ابن اسحاق. قال الفراء: فإن كان اسماً لرجل على هذا القول، فإنما ترك إجراؤه، لأنه كالعجميّ، وقال أبو عبيدة: هما عادان، فالأولى: وهي إرم، وهي التي قال الله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى «١» وهل قوم هود عاد الأولى، أم لا؟ فيه قولان قد ذكرناهما في النجم «٢» .

وفي قوله عزّ وجلّ: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ أربعة أقوال «٣» : أحدها: لأنهم كانوا أهل عمد وخيام يطلبون الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم، فلا يقيمون في موضع، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، والفراء. والثاني: أن معنى ذات العماد: ذات الطول، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال مقاتل، وأبو عبيدة. قال الزجاج: يقال: رجل مُعْمَدٌ: إذا كان طويلاً.

والثالث: ذات القوة والشدة، مأخوذ من قوة الأعمدة، قاله الضحاك. والرابع: ذات البناء المحكم بالعماد، قاله ابن زيد. وقيل: إنما سميت ذات العماد لبناءٍ بناه بعضهم.

قوله عزّ وجلّ: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو عمران: «لم تَخْلُق» بتاءٍ مفتوحة ورفع اللام «مثلَها» بنصب اللام. وقرأ معاذ القارئ، وعمرو بن دينار: «لم نَخْلُق» بنون مفتوحة ورفع اللام «مثلَها» بنصب اللام. وفي المشار إليها قولان: أحدهما: لم يَخْلُق مثل تلك القبيلة في الطول والقوّة، وهذا معنى قول الحسن. والثاني: المدينة لم يخلق مثل مدينتهم ذات العماد، قاله عكرمة.


(١) النجم: ٥٠.
(٢) النجم: ٥٠.
(٣) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٥٦٨: وأشبه الأقوال في ذلك بما دل عليه ظاهر التنزيل، قول من قال: عني بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة، لأن المعروف من كلام العرب من العماد، ما عمد به الخيام من الخشب، والسواري التي يحمل عليها البناء ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح. وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه، وما وجد إلى ذلك سبيل، دون الأنكر، فقد وجه أهل التأويل قوله ذاتِ الْعِمادِ إلى أنه عني به طول أجسامهم. ولا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه.
قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٠١- ٦٠٢: وقوله: ذاتِ الْعِمادِ لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد وقال مجاهد: كانوا أهل عمود لا يقيمون، وقال العوفي، عن ابن عباس: إنما قيل لهم ذاتِ الْعِمادِ لطولهم، واختار الأول ابن جرير رحمه الله، ورد الثاني فأصاب. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>