للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث عشر: أن الشفع: هو آدم وحواء. والوتر: الله تعالى، قاله مقاتل بن سليمان. والرابع عشر: أن الشفع: الأيام والليالي، والوتر: اليوم الذي لا ليلة بعده، وهو يوم القيامة، قاله مقاتل بن حيان.

والخامس عشر: الشفع: درجات الجنان، لأنها ثمان، والوتر: دَرَكات النار لأنها سبع، فكأنّ الله تعالى أقسم بالجنة والنار، قاله الحسين بن الفضل. والسادس عشر: الشفع: تضاد أوصاف المخلوقين بين عِزٍ وذُلٍّ، وقدرة وعجز، وقوة وضعف، وعلم وجهل، وموت وحياة. والوتر: انفراد صفات الله عزّ وجلّ، عِزٌّ بلا ذل، وقدرة بلا عجز، وقوة بلا ضعف، وعلم بل جهل، وحياة بلا موت، قاله أبو بكر الورَّاق. والسابع عشر: أن الشفع: الصفا والمروة، والوتر: البيت. والثامن عشر: أن الشفع: مسجد مكة والمدينة، والوتر: بيت المقدس. والتاسع عشر: أنّ الشّفع: القران في الحج والتمتع، والوتر:

الإفراد. والعشرون: الشفع: العبادات المتكررة كالصلاة، والصوم، والزكاة، والوتر: العبادة التي لا تتكرر، كالحجّ، حكى هذه الأقوال الأربعة الثّعلبيّ.

قوله عزّ وجلّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ قرأ ابن كثير، ويعقوب «يسري» بياءٍ في الوصل والوقف، وافقهما في الوصل نافع وأبو عمرو. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «يسر» بغير ياءٍ في الوصل والوقف. قال الفراء، والزجاج: الاختيار حذفها لمشاكلتها لرؤوس الآيات، ولاتِّباع المصحف. وفي قوله عزّ وجلّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ قولان: أحدهما: أن الفعل له، فيه قولان: أحدهما: إذا يسري ذاهباً، قاله الجمهور، وهو اختيار الزجاج. والثاني: إذا يسري مقبلا، قاله قتادة.

والقول الثاني: أن الفعل لغيره، والمعنى: إذا يسري فيه، كما يقال: ليل نائم، أي: ينام فيه، قاله الأخفش، وابن قتيبة. وفي المراد بهذا الليل ثلاثة أقوال: أحدها: أنه عام في كل ليلة، وهذا الظاهر.

والثاني: أنه ليلة المزدلفة، وهي ليلة جَمْعٍ: قاله مجاهد وعكرمة. والثالث: ليلة القدر، حكاه الماورديّ.

قوله عزّ وجلّ: هَلْ فِي ذلِكَ أي هل في ذلك المذكور من الأمور التي أقسمنا بها قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي: لذي عقل، وسمي العقل حجْراً، لأنه يحجر صاحبه عن القبيح، وسمي عقلا، لأنه يعقل عمّا لا يحسن، وسمي العقل النُّهى، لأنه ينهى عما لا يحل. ومعنى الكلام: أن من كان ذا لبٍّ عَلِم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء، فيه دلائل على توحيد الله وقدرته، فهو حقيق أن يقسم به لدلالته.

وجواب القسم قوله عزّ وجلّ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فاعترض بين القسم، وجوابه قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ فخوَّف أهل مكة بإهلاك من كان أشدَّ منهم. وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر «بعادِ إِرمَ» بكسر الدال من غير تنوين على الإضافة. وفي إِرَمَ أربعة أقوال «١» : أحدها: أنه اسم بلدة، قال الفرّاء. ولم


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٥٦٧: وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي: أنها اسم قبيلة من عاد، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها، وترك إجرائها. ولو كانت إرم اسم بلدة أو اسم جد لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها، كما يقال: هذا عمرو وزبيد وحاتم طيء، وأعشى همدان، ولكنها اسم قبيلة منها، فيما أرى.
وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٠٢: ومن زعم أن المراد بقوله إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ مدينة إما دمشق، أو الاسكندرية، أو غيرهما، ففيه نظر، فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ إن جعل ذلك بدلا أو عطف بيان، فإنه لا يتسق الكلام حينئذ. ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم، قال:
وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عن هذه الآية من ذكر مدينة يقال لها: إرم ذات العماد، مبنية بلبن الذهب والفضة وقصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحة، وثمارها ساقطة، ودورها لا أنين بها، وأنها تنقل، فتارة تكون في أرض الشام، وتارة باليمن، وتارة بغير ذلك من البلاد، فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين من وضع بعض زنادقتهم، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>