للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا قول ابن عباس، والجماعة. وإِنما أريد بها الذبائح خاصّة، لأن سائر طعامهم لا يختلف بمن توَّلاه من مجوسي وكتابي، وإِنما الذكاة تختلف، فلما خصّ أهل الكتاب بذلك، دل على أن المراد الذبائح، فأما ذبائح المجوس، فأجمعوا على تحريمها. واختلفوا في ذبائح من دان باليهودية والنصرانية من عبدة الأوثان «١» ، فروي عن ابن عباس أنه سُئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال: لا بأس بها، وتلا قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وهذا قول الحسن، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وعكرمة، وقتادة، والزهري، والحكم، وحماد. وقد روي عن علي، وابن مسعود في آخرين أن ذبائحهم لا تحل. ونقل الخرقي عن أحمد في نصارى بني تغلب روايتين. إِحداهما: تباح ذبائحهم، وهو قول أبي حنيفة، ومالك. والثانية: لا تباح. وقال الشافعي: من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن، لم يبح أكل ذبيحته.

قوله تعالى: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي: وذبائحكم لهم حلال، فاذا اشتروا منا شيئاً كان الثمن لنا حلالاً، واللحم لهم حلالاً. قال الزجاج. والمعنى: أُحل لكم أن تطعموهم.

فصل: وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إِباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقاً وإِن ذكروا غير اسم الله عليها، فكان هذا ناسخاً لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «٢» والصحيح أنها أطلقت إِباحة ذبائحهم، لأن الأصل أنهم يذكرون الله فيُحمل أمرهم على هذا. فإن تيقنّا أنهم ذكروا غيره فلا نأكل ولا وجه للنسخ، وإِلى هذا الذي قلته ذهب علي، وابن عمر، وعبادة، وأبو الدرداء، والحسن في جماعة.


(١) فائدة: قال الإمام الخرقي في «المختصر» مسألة: وذبيحة من أطاق الذبح من المسلمين وأهل الكتاب حلال إذا سموا، أو نسوا التسمية» قال الإمام الموفق في «شرحه» : وجملة ذلك أن كل من أمكنه الذبح من المسلمين وأهل الكتاب إذا ذبح حل أكل ذبيحته رجلا كان أو امرأة، بالغا أو صبيا، حرا أو عبدا، لا نعلم في هذا خلافا. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي. ويشترط أن يكون عاقلا، فإن كان طفلا أو مجنونا أو سكران لا يعقل، لم يصح منه الذبح، وبهذا قال مالك، وقال الشافعي: لا يعتبر القول. ولنا أن الذكاة يعتبر لها القصد، فيعتبر لها العقل كالعبادة. فإن من لا عقل له، لا يصح منه القصد، فيصير ذبحه كما لو وقعت الحديدة بنفسها على حلق شاة فذبحتها. قال: والتسمية مشترطة في كل ذابح مع العمد سواء كان مسلما أو كتابيا، فإن ترك الكتابي التسمية عن عمد، أو ذكر اسم غير الله، لم تحل ذبيحته، روي ذلك عن علي، وبه قال النخعي والشافعي وحماد وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال عطاء ومجاهد ومكحول: إذا ذبح النصراني باسم المسيح حلّ، فإن الله تعالى أحل لنا ذبيحته، وقد علم أنه سيقول ذلك. اه ملخصا ١٣، ٣١١- ٣١٢.
وقال الإمام المرغيناني الحنفي في «الهداية» : وذبيحة المسلم والكتابي حلال. ويحل إذا كان يعقل التسمية والذبيحة ويضبط، وإن كان صبيا أو مجنونا أو امرأة، أما إذا كان لا يضبط ولا يعقل التسمية والذبيحة لا تحل، لأن التسمية على الذبيحة شرط بالنص وذلك بالقصد، والأقلف والمختون سواء، وإطلاق اسم الكتابي ينتظم:
الكتابي والذمي والحربي والعربي والتغلبي. ولا تؤكل ذبيحة المجوسي والمرتد والوثني والمحرم، وكذا لا يؤكل ما ذبح من الصيد في الحرم، وإن ترك التسمية عمدا فالذبيحة ميتة لا تؤكل، وإن تركها ناسيا أكل وقال الشافعي: أكل في الوجهين. وقال مالك: لا يؤكل في الوجهين والمسلم والكتابي في ترك التسمية سواء اه ملخصا «فتح القدير شرح الهداية» ٩/ ٤٩٧- ٤٩٩ بتخريجي.
(٢) سورة الأنعام: ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>